قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (١٤) مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ (١٥) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وَأَنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ)(١٦)
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا) الآية. لما بين في الآية السالفة حال عباده المنافقين وحال معبودهم ، وأن معبودهم لا ينفع ولا يضر بين هاهنا صفة عباده المؤمنين وصفة معبودهم ، وأن عبادتهم حقيقة ، ومعبودهم يعطيهم أعظم المنافع وهو الجنة ، التي من كمالها جمعها بين الزرع والشجر وأن تجري من تحتها الأنهار ، وبين أنه يفعل ما يريد بهم من أنواع الفضل والإحسان زيادة على أجورهم كما قال تعالى (فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ) (٢). واحتج أهل السنة في خلق الأفعال بقوله : (إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) قالوا : أجمعنا على أنه تعالى يريد الإيمان ، ولفظة «ما» للعموم فوجب أن يكون فاعلا للإيمان لقوله : (إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ).
وأجاب عنه الكعبي بأن الله تعالى يفعل ما يريد أن يفعله (لا ما يريد أن يفعله) (٣) غيره.
وأجيب : بأن هذا تقييد للعموم وهو خلاف النص (٤).
قوله : (مَنْ كانَ يَظُنُّ). «من» يجوز أن تكون شرطية وهو الظاهر (٥) ، وأن تكون موصولة ، والضمير في «ينصره» الظاهر عوده على «من» ، وفسر النصر بالرزق (٦) ، وقيل (٧) يعود على الدين والإسلام فالنصر على بابه (٨).
قال ابن عباس والكلبي ومقاتل والضحاك وقتادة وابن زيد والسدي واختيار الفراء (٩) والزجاج(١٠): أن الضمير في «ينصره» يرجع إلى محمد ـ عليهالسلام (١١) ـ يريد أن من ظن أن لن ينصر (١٢) الله محمدا في الدنيا بإعلاء كلمته وإظهار دينه ، وفي الآخرة بإعلاء درجته ، والانتقام ممن كذبه ، والرسول ـ عليهالسلام (١١) ـ وإن لم يجر له ذكر في هذه
__________________
(١) من قوله تعالى : «فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ» [النساء : ١٧٣].
(٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٦. بتصرف يسير.
(٣) ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي.
(٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٦.
(٥) وجواب الشرط قوله : «فَلْيَمْدُدْ» التبيان ٢ / ٩٣٥.
(٦) وكان الظاهر عود الضمير على «من» لأنه المذكور ، وحق الضمير أن يعود على المذكور. الفخر الرازي ٢٣ / ١٨ ، البحر المحيط ٦ / ٣٥٧.
(٧) في ب : فصل.
(٨) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٥٨.
(٩) معاني القرآن ٢ / ٢١٨.
(١٠) معاني القرآن وإعرابه ٣ / ٤١٧.
(١١) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٢) في ب : ينصره. وهو تحريف.
(١١) في ب : عليه الصلاة والسلام.