تصح كتابته ، كما لا يصح بيعه ، لأن قوله : (فَكاتِبُوهُمْ) خطاب ، فلا يتناول غير المكلف.
وقال أبو حنيفة : تصحّ كتابة الصبيّ بإذن الوليّ (١).
فصل
اختلفوا في قوله تعالى : (فَكاتِبُوهُمْ) هل هو أمر إيجاب أو ندب؟ فقيل : أمر إيجاب ، فيجب على السيد أن يكاتب مملوكه إذا سأله ذلك بقيمته أو أكثر إذا علم فيه خيرا ، فإن سأله بدون قيمته لم يلزمه ، وهذا قول ابن دينار (٢) وعطاء ، وإليه ذهب داود بن عليّ (٣) ومحمد بن جرير لظاهر الآية ، وأيضا فلأن سبب نزولها إنما (٤) نزلت في غلام لحويطب (٥) بن عبد العزى يقال له : «صبيح» سأل مولاه أن يكاتبه ، فأبى عليه ، فنزلت الآية ، فكاتبه على مائة دينار ووهب (٦) له منها عشرين دينارا وروي أن عمر أمر أنسا بأن يكاتب سيرين (أبا محمد بن سيرين) فأبى ، فرفع عليه الدّرّة (٧) وضربه ، وقال : «فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا» وحلف عليه ليكاتبنه ، ولو لم يكن واجبا لكان ضربه بالدرة ظلما ، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة ، فجرى ذلك مجرى الإجماع. وقال أكثر الفقهاء : إنه أمر استحباب ، وهو ظاهر قول ابن عباس والحسن والشعبي ، وإليه ذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي والثوري وأحمد لقوله عليهالسلام (٨) : «لا يحل مال امرىء مسلم إلا عن طيب نفس منه» (٩)(١٠). ولأنه لا فرق بين أن يطلب الكتابة أو يطلب بيعه ممن يعتقه في الكفارة ، فكما لا يجب ذلك فكذا الكتابة (١١) فإن قيل : كيف يصح أن يبيع ماله بماله؟
فالجواب : إذا ورد الشرع به جاز ، كما إذا علق عتقه على مال يكسبه فيؤديه أو يؤدى عنه صار سببا لعتقه (١٢).
فإن قيل : هل يستفيد العبد بعقد الكتابة ما لا يملكه لو لا الكتابة؟
فالجواب : نعم ، لأنه لو دفع إليه الزكاة قبل الكتابة لم يحل له أخذها ، وإذا صار
__________________
(١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١٨.
(٢) هو عبد الله بن دينار العدوي ، أبو عبد الرحمن المدني مولى ابن عمر ، روى عن ابن عمر ، وأنس ، وسليمان بن يسار وغيرهم ، وروى عنه ابنه عبد الرحمن ، ومالك ، وسليمان بن بلال ، وغيرهم ، مات سنة ١٢٧ ه. تهذيب التهذيب ٥ / ٢٠١ ـ ٢٠٣.
(٣) تقدم.
(٤) في ب : أنها.
(٥) في ب : الحويطب.
(٦) في الأصل : وهب.
(٧) الدرّة : بالكسر التي يضرب بها عربية معروفة. اللسان (درر).
(٨) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٩) منه : سقط من ب.
(١٠) أخرجه أحمد في مسنده ٥ / ٧٢.
(١١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١٨.
(١٢) المرجع السابق.