فصل(١)
قال ابن عباس : هادي أهل (٢) السموات والأرض ، فهم بنوره إلى الحق يهتدون ، وبهداه من حيرة الضلالة ينجون. وقال الضحاك : منوّر السموات والأرض ، يقال : نوّر الله السماء بالملائكة ونوّر الأرض بالأنبياء. وقال مجاهد : مدبر الأمور في السموات والأرض.
وقال أبي بن كعب والحسن وأبو العالية : مزيّن السموات والأرض ، زين السماء بالشمس والقمر والنجوم ، وزين الأرض بالأنبياء والعلماء والمؤمنين. وقيل : بالنبات والأشجار. وقيل : معناه : الأنوار كلها منه ، كما يقال : فلان رحمة ، أي : منه الرحمة. وقد يذكر هذا اللفظ على طريق المدح ، كقول القائل :
٣٨٣٣ ـ إذا سار عبد الله من مرو ليلة |
|
فقد سار منها نورها وجمالها (٣) |
قوله : «مثل نوره كمشكاة» مبتدأ وخبر ، وهذه الجملة إيضاح وتفسير لما قبلها ، فلا محلّ لها ، وثمّ (٤) مضاف محذوف ، أي : كمثل مشكاة. قال الزمخشري : أي : صفة نوره العجيبة الشأن في الإضاءة «كمشكاة» أي : كصفة (مشكاة) (٥)(٦). واختلفوا في الضمير في «نوره» : فقيل : هو الله تعالى (٧) ، أي : مثل نور الله ـ عزوجل ـ في قلب المؤمن ، وهو النور الذي يهتدى به ، كما قال : (فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ)(٨). وكان ابن مسعود يقرأ «مثل نوره في قلب المؤمن» وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس : «مثل نوره الذي أعطى المؤمن» وعلى هذا المراد بالنور : الإيمان ، والآيات البيّنات(٩).
وقيل : يعود على المؤمنين أو المؤمن ، أو من آمن به (١٠) ، أي مثل نور قلب المؤمن. وكان أبيّ يقرأ بهذه الألفاظ كلها (١١) ، وأعاد الضمير على ما قرأ به. والمراد بالنور : الإيمان
__________________
(١) هذا الفصل نقله ابن عادل عن البغوي ٦ / ١١٤.
(٢) أهل : سقط من ب.
(٣) البيت من بحر الطويل ، وهو في القرطبي ١٢ / ٢٥٦ ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٥ ولم يعز إلى قائل.
المرو : شجر طيب الرائحة. ومرو : مدينة بفارس. والشاهد فيه أن الشاعر مدح ممدوحه بذلك على سبيل المبالغة.
(٤) في ب : أو ثم.
(٥) الكشاف ٣ / ٧٧.
(٦) ما بين القوسين سقط من ب.
(٧) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٢١ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٥٠٧ ، البيان ٢ / ١٩٥ ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٥.
(٨) من قوله تعالى : «أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ» [الزمر : ٢٢].
(٩) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٥٠٦ ، البيان ٢ / ١٩٥ والبحر المحيط ٦ / ٤٥٥.
(١٠) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٢١ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٥٠٦ ، البيان ٢ / ١٩٥ ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٥.
(١١) قال ابن قتيبة : (وكان أبيّ يقرأ «الله نور السموات والأرض مثل نور المؤمن» روى ذلك عبيد الله بن موسى عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية) تأويل مشكل القرآن (٣٢٨). وقال ـ