زجاجة ، يعني : «القنديل» (١) قال الزجاج : إنما ذكر الزجاجة لأن النور وضوء النار (٢) فيها أبين في (٣) كل شيء ، وضوؤه يزيد في الزجاج. ثم وصف الزجاجة فقال : (كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ)(٤). والدّرّ : الدفع ، لأن الكواكب تدفع الشياطين من السماء. وشبيه حالة الدفع ، لأنه يكون في تلك الحالة أضوأ وأنور. وقيل : «دري» أي : طالع ، يقال : درى (٥) النجم : إذا طلع وارتفع ، ويقال : هو من درأ الكوكب : إذا اندفع منقضا فيضاعف ضوؤه في ذلك الوقت (٦)) (٧) (ويقال : درأ علينا فلان ، أي : طلع وظهر (٨). وقيل : الدري أي ضخم مضى ، ودراري النجوم : عظامها. وقيل : الكوكب الدري واحد من الكواكب الخمسة العظام ، وهي : زحل ، والمريخ والمشتري ، والزهرة وعطارد (٩). وقيل : الكواكب المضيئة كالزهرة والمشتري والثوابت التي في المعظم الأول (١٠). فإن قيل : لم شبهه بالكوكب ولم يشبهه بالشمس والقمر؟.
فالجواب لأن الشمس والقمر يلحقها الخسوف ، والكواكب (١١) لا يلحقها الخسوف. «توقّد» يعني : المصباح ، أي : اتّقد. ويقال : توقدت النار ، أي : اتقدت ، يعني : نار الزجاجة ، لأن الزجاجة لا توقد. هذا على قراءة من ضم التاء وفتح القاف (١٢).
وأما على قراءة الآخرين ف «توقد» يعني المصباح (١٣)(مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ) أي : من زيت شجرة مباركة ، فحذف المضاف بدليل قوله : (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ). وأراد بالشجرة المباركة : الزيتون وهي كثيرة البركة والنفع : لأن الزيت يسرج به وهو أضوأ وأصفى الأدهان ، وهو إدام وفاكهة ، ولا يحتاج في استخراجه إلى عصار ، بل كل أحد يستخرجه. وقيل : أول شجرة نبتت بعد الطوفان ، وبارك فيها سبعون نبيا منهم الخليل. وجاء في الحديث أنه مصحة (١٤) من الباسور (١٥) ، وهي شجرة تورق من أعلاها إلى أسفلها (١٦). وقال عليهالسلام (١٧) : «كلوا الزّيت وادهنوا به فإنّه من شجرة مباركة» (١٨).
__________________
(١) انظر البغوي ٦ / ١١٥.
(٢) في النسختين : النهار. والتصويب من معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٤٤.
(٣) في الأصل : من.
(٤) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٤٤.
(٥) في الأصل : درأ.
(٦) انظر البغوي ٦ / ١١٥ واللسان (درأ).
(٧) ما بين القوسين سقط من ب.
(٨) انظر البغوي ٦ / ١١٦ ، اللسان (درأ).
(٩) المرجع السابق.
(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٣٧.
(١١) في ب : فالكواكب.
(١٢) وهي قراءة الأخوين وأبي بكر.
(١٣) تقدم قريبا.
(١٤) في ب : مضحة.
(١٥) الباسور : داء معروف ويجمع البواسير ، قال الجوهريّ : هي علة تحدث في المقعدة وفي داخل الأنف أيضا ، نسأل الله العافية منها ومن كل داء. اللسان (بسر).
(١٦) انظر البغوي ٦ / ١١٦ ـ ١١٧.
(١٧) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٨) أخرجه الترمذي (أطعمة) ٣ / ١٨٦ ـ ١٨٧.