فالجواب : أن من كان يظن في المعنى مغيظ (١) لا غائظ. وهذا بحث حسن (٢).
فصل (٣)
المعنى : من كان يظن أن لن ينصر الله نبيه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ، والسبب الحبل ، والسماء سقف البيت هذا قول الأكثرين ، أي : ليشدد حبلا في سقف بيته فليختنق به حتى يموت ، ثم ليقطع الحبل بعد الاختناق.
وقيل : سمي الاختناق قطعا. وقيل : ليقطع ، أي : ليمد الحبل حتى ينقطع فيموت مختنقا (فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ) صنيعه وحيلته ، أي : هل يذهبن كيده وحيلته غيظه. والمعنى : فليختنق غيظا حتى يموت ، وليس هذا على سبيل الحتم أن يفعل لأنه لا يمكنه القطع والنظر بعد الاختناق والموت ، ولكنه كما يقال للحاسد إذا لم ترض بهذا فاختنق ومت غيظا. وقا ابن زيد : المراد من السماء : السماء المعروفة. ومعنى الآية : من كان يظن أن لا ينصر الله نبيه ، ويكيد في أمره ليقطعه عنه ، فليقطعه من أصله ، فإن أصله من السماء ، فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ الوحي الذي يأتيه فلينظر هل يقدر على إذهاب غيظه بهذا الفعل.
فصل
روي أن هذه (٤) الآية نزلت في قوم من أسد وغطفان دعاهم النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إلى الإسلام ، وكان بينهم وبين اليهود حلف ، وقالوا : لا يمكننا أن نسلم لأنا نخاف أن لا ينصر محمد ولا يظهر أمره فينقطع الحلف بيننا وبين اليهود فلا يميروننا ولا يؤووننا (٥) فنزلت هذه الآية وقال مجاهد : النصر يعني الرزق ، والهاء راجعة إلى «من» ومعناه من كان يظن أن لن يرزقه الله في الدنيا والآخرة. نزلت فيمن أساء الظن بالله ـ عزوجل (٦) ـ وخاف أن لا يرزقه (فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ) أي : سماء البيت ، (فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ) فعله ذلك ما يغيظ وهو خيفة (٧) أن لا يرزق. وقد يأتي النصر بمعنى الرزق تقول العرب : من ينصرني نصره الله ، أي من يعطيني أعطاه الله (٨). قال أبو عبيدة (٩) : تقول العرب : أرض منصورة ، أي : ممطورة (١٠) وعلى (١١) كل الوجوه فإنه زجر للكفار عن الغيظ فيما لا فائدة فيه.
__________________
(١) في ب : يغيظ. وهو تحريف.
(٢) الدر المصون : ٥ / ٦٧.
(٣) هذا الفصل نقله ابن عادل عن البغوي ٥ / ٥٦٠ بتصرف يسير.
(٤) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٥ / ٥٦٠ ـ ٥٦١.
(٥) في ب : ولا يؤذننا. وهو تحريف.
(٦) في ب : تعالى.
(٧) في الأصل : خنقه. وفي ب : صفة. والتصويب من البغوي.
(٨) اللسان (نصر).
(٩) في ب : أبو عبيد.
(١٠) آخر ما نقله هنا عن البغوي ٥ / ٥٦٠ ـ ٥٦١.
(١١) في الأصل : على.