المؤمن يتقلب في خمسة أنوار : قوله نور ، وعمله نور ، ومدخله نور ، ومخرجه نور ، ومصير إلى نور) (١). واستدل أهل السنة بهذه الآية على صحة مذهبهم فقالوا : «إنه تعالى بعد أن بين أن هذه الدلائل التي بلغت في الظهور والوضوح إلى هذا الحد الذي لا يمكن الزيادة عليه ، قال : (يَهْدِي اللهُ) بإيضاح هذه الأدلة «لنوره من يشاء» أي : وضوح هذه الدلائل لا يكفي ولا ينفع ما لم يخلق الله الإيمان»(٢).
قوله : (وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ) يبين الله الأشباه للناس ، أي : للمكلفين ، تقريبا لأفهامهم ، وتسهيلا لنيل الإدراك.
(وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) وهذا كالوعيد لمن لا يعتبر ولا يتفكر في أمثاله ، ولا ينظر في أدلته فيعرف وضوحها وبعدها عن الشبهات (٣). قالت المعتزلة : قوله تعالى (وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ) ذكره في معرض النعمة ، وإنما يكون نعمة عظيمة لو أمكنكم الانتفاع به وتقدم جوابه (٤).
قوله تعالى : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (٣٦) رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (٣٧) لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ)(٣٨)
قوله تعالى : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ) الآية (٥).
واعلم أن قوله : «في بيوت» يقتضي محذوفا يكون فيها ، وذكروا فيه ستّة أوجه :
أحدها : أن قوله : «في بيوت» صفة ل «مشكاة» أي كمشكاة في بيوت ، أي : في بيت من بيوت الله (٦).
(الثاني : أنه صفة ل «مصباح» (٧)) (٨) وهذا اختيار أكثر المحققين.
واعترض عليه أبو مسلم بن بحر الأصفهاني من وجهين :
الأول : أن (٩) المقصود من ذكر «المصباح» المثل ، وكون المصباح في بيت أذن الله لا يزيد في هذا المقصود ، لأن ذلك لا يزيد المصباح إنارة وإضاءة.
__________________
(١) ما بين القوسين سقط من الأصل.
(٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١٨ ـ ٢٣٩.
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٣٩.
(٤) المرجع السابق.
(٥) في ب : الآية الثاني أنه صفة للمصباح. الباء في «بيوت» تضم وتكسر لغة.
(٦) قاله الحوفي وتبعه الزمخشري. انظر البرهان ٦ / ٢٤٩ ، الكشاف ٣ / ٧٧ ، البيان ٢ / ١٩٦ البحر المحيط ٦ / ٤٥٧.
(٧) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٥١٣ ، الفخر الرازي ٢٤ / ٢ ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٧.
(٨) ما بين القوسين ذكر في ب بعد قوله : آية. ويبدو أنه سهو من الناسخ.
(٩) أن : سقط من ب.