فصل
المراد : الصلوات المفروضة لما روى سالم (١) (عن) (٢) ابن عمر أنه كان في السوق فأقيمت الصلاة ، فقام الناس وأغلقوا حوانيتهم ، فدخلوا المسجد ، فقال ابن عمر : فيهم نزلت هذه الآية : (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ)(٣).
وقوله : (وَإِيتاءِ الزَّكاةِ) يريد : المفروضة. قال ابن عباس : إذا حضر وقت أداء الزكاة لم يحبسوها (٤). وروي عن ابن عباس أيضا : المراد من الزكاة : طاعة الله والإخلاص. وهذا ضعيف لأنه تعالى علق الزكاة بالإيتاء (٥) ، وهذا لا يحتمل إلا ما يعطى من حقوق المال (٦). قوله : (يَخافُونَ يَوْماً) يجوز أن يكون نعتا ثانيا ل «رجال» ، وأن يكون حالا من مفعول «تلهيهم» (٧) و «يوما» مفعول به لا ظرف على الأظهر (٨) ، و «تتقلّب» صفة ل «يوما».
قوله : «تتقلّب فيه القلوب والأبصار» : تتقلب القلوب عما كانت عليه في الدنيا من الشرك والكفر وتنفتح الأبصار من الأغطية بعد أن كانت مطبوعة عليها لا تبصر ، وكلهم انقلبوا من الشك إلى اليقين ، كقوله : (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ)(٩) وقوله : (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ)(١٠). وقيل : تتقلب القلوب تطمع في النجاة وتخشى الهلاك ، وتتقلب الأبصار من أي ناحية يؤخذ أمن (١١) ناحية اليمين أم (١٢) من ناحية الشمال؟ ومن أي ناحية يعطون كتابهم ، أمن قبل اليمين أم من قبل الشمال؟
والمعتزلة لا يرضون بهذا التأويل ، لأنهم قالوا : إن أهل الثواب لا خوف عليهم البتة ، وأهل العقاب لا يرجون العفو. وقيل : إن القلوب تزول من أماكنها فتبلغ الحناجر ، والأبصار تصير زرقا (١٣). وقيل : تقلب البصر : شخوصه من هول الأمر وشدته (١٤).
__________________
(١) هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، العدوي ، أبو عمر ، أحد الفقهاء السبعة ، وردت الرواية عنه في حروف القرآن. مات سنة ١٠٦ ه. طبقات القراء ١ / ٣٠١.
(٢) عن : سقط من الأصل.
(٣) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٥١٦ ـ ٥١٧ ، الفخر الرازي ٢٤ / ٤.
(٤) انظر البغوي ٦ / ١٢٦.
(٥) في ب : علق الإيتاء بالزكاة.
(٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٥.
(٧) انظر التبيان ٢ / ٩٧١.
(٨) وذلك على حذف مضاف أي : يخافون حساب يوم ، فحذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه ، لأن الزمان والمكان محلان للحدث ، ولا يقع الحدث عليهما.
(٩) [الزمر : ٤٧].
(١٠) [ق : ٢٢].
(١١) في النسختين : من.
(١٢) في ب : أو.
(١٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٥ ـ ٦.
(١٤) انظر البغوي ٦ / ١٢٦ ـ ١٢٧.