قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (٣٩) أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ)(٤٠)
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ) الآية.
لما بيّن حال المؤمن أنه في الدنيا يكون في النور ، وبسببه يكون متمسكا بالعمل الصالح ، ثم بين أنه يكون في الآخرة فائزا بالنعيم المقيم والثواب العظيم ، أتبع ذلك ببيان أن الكافر يكون في الآخرة في أشد الخسران ، وفي الدنيا في أعظم أنواع الظلمات ، وضرب لكل واحد منهما مثلا ، أما المثل الدال على حسرته في الآخرة فقوله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ)(١).
قال الأزهري : «السّراب : ما يتراءى للعين وقت الضحى في الفلوات شبيها بالماء الجاري وليس بماء ، ولكن الذي ينظر إليه من بعيد يظنه ماء جاريا ، يقال : سرب الماء يسرب سروبا : إذا جرى ، فهو سارب» (٢). وقيل : السّراب : ما يتراءى للإنسان في القفر في شدّة الحرّ ممّا يشبه الماء (٣). وقيل : ما يتكاثف من قعور القيعان (٤). قال الشاعر :
٣٨٣٦ ـ فلمّا كففت (٥) الحرب كانت عهودهم |
|
كلمع سراب في الفلا متألّق (٦) |
يضرب به المثل لمن يظنّ بشيء خيرا فيخلف (٧) ظنّه. وقيل : هو الشّعاع الذي يرى نصف النّهار في شدة الحرّ في البراري (٨) ، يخيّل للناظر أنه الماء السّارب ، أي : الجاري ، فإذا قرب منه لم ير شيئا (٩). والآل (١٠) : ما ارتفع من الأرض ، وهو شعاع يرى بين السماء والأرض بالغدوات شبه الملاة (١١) يرفع الشخوص ، يرى فيها الصغير كبيرا ، والقصير طويلا (١٢).
__________________
(١) في ب : بقيعة يحسبه الظمآن ماء. انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦.
(٢) انظر تهذيب اللغة (سرب) ١٢ / ٤١٦.
(٣) الكشاف ٣ / ٧٨.
(٤) قال أبو حيان : (قال الكرماني : السراب بخار يرتفع من قعور القيعان ، فيكيف ، فإذا اتصل به ضوء الشمس أشبه الماء من بعيد فإذا دنا منه الإنسان لم يره كما كان يراه من بعيد). البحر المحيط ٦ / ٤٤٤.
(٥) في ب : كعفت.
(٦) البيت من بحر الطويل لم أقف على قائله ، وهو في الحماسة البصرية ١ / ٨٩ ، القرطبي ١٢ / ٢٨٢ ، البحر المحيط ٦ / ٤٤٤.
(٧) في ب : خير يحلف. وهو تحريف.
(٨) في ب : التواري. وهو تحريف.
(٩) انظر اللسان (سرب) ، البحر المحيط ٦ / ٤٤٤.
(١٠) في ب : الأول. وهو تحريف.
(١١) الملاة : فلاة ذات حرّ ، والجمع ملا. اللسان (ملا).
(١٢) اللسان (أول).