قال الزمخشري : وقد جعل بعضهم (١) «بقيعاة» بتاء مدوّرة ك «رجل عزهاة» (٢).
فظاهر (٣) هذا أنه جعل هذا بناء مستقلا ليس جمعا ولا إشباعا.
قوله : (يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ) جملة في محل الجر صفة ل «سراب» أيضا (٤) ، وحسن ذلك لتقدم الجار على الجملة ، هذا إن جعلنا الجارّ صفة والضمائر المرفوعة في «جاءه» ، وفي «لم يجده» وفي «وجد» ، والضمائر في «عنده» وفي «وفّاه» وفي «حسابه» كلها ترجع إلى «الظّمآن» لأن المراد به الكافر المذكور أولا ، وهذا قول الزمخشري (٥). وهو حسن.
وقيل : بل الضميران في «جاءه» و «وجد» عائدان على «الظّمآن» ، والباقية عائدة على الكافر (٦). وإنما أفرد الضمير على هذا وإن تقدمه جمع ، وهو قوله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) حملا على المعنى ؛ إذ المعنى : كلّ واحد من الكفار (٧).
والأول أولى لاتّساق الضمائر. وقرأ أبو جعفر ، ورويت عن نافع : «الظّمان» بإلقاء حركة الهمزة على الميم (٨).
فصل
قال الزجاج : «(الظّمآن) قد تخفف همزته ، وهو الشديد العطش (٩) ، ثم وجه التشبيه أن الذي يأتي به الكافر إن كان من أفعال البر فهو لا يستحق عليه ثوابا مع أنه يعتقد أن له ثوابا عليه ، وإن كان من أفعال الإثم فهو يستحق عليه العقاب مع أنه يعتقد أنه ثوابا ، فكيف كان فهو يعتقد أن له ثوابا عند الله تعالى ، فإذا وافى عرصة (١٠) القيامة ولم (١١) يجد الثواب ، بل وجد العقاب العظيم عظمت حسرته وتناهى غمه ، فيشبه حاله حال الظمآن الذي تشتد حاجته إلى الشراب ويتعلق قلبه به ، ويرجو به (١٢) النجاة ، فإذا جاءه وأيس مما
__________________
(١) وهو ابن جني قال : (وذلك أن نظير قولهم : قيعة وقيعاة في أنه فعلة وفعلاة لمعنى واحد قولهم : رجل عزه وعزهاة : الذي لا يقرب النساء واللهو ، فهذا فعلة وفعلاة ، ولا فرق بينهما غير الهاء ، وذلك ما لا بال به) المحتسب ٢ / ١١٣.
(٢) الكشاف ٣ / ٧٨.
(٣) في ب : وظاهر.
(٤) انظر البيان ٢ / ١٩٧ ، التبيان ٢ / ٩٧٢.
(٥) انظر الكشاف ٣ / ٧٨.
(٦) وهذا معنى قول أبيّ وابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة. انظر البحر المحيط ٦ / ٤٦٠ ـ ٤٦١.
(٧) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٦١.
(٨) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٥٢١ ، البحر المحيط ٦ / ٤٦٠.
(٩) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٤٧.
(١٠) العرصة : كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها بناء. اللسان (عرص).
(١١) في ب : لم.
(١٢) في ب : ويرجو. وهو تحريف.