كان يرجوه عظم ذلك عليه» (١). قال مجاهد : «السراب : عمل الكافر وإتيانه إياه موته (٢) ومفارقة الدنيا» (٣).
فإن قيل : قوله : (حَتَّى إِذا جاءَهُ) يدل على كونه شيئا ، وقوله : (لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) مناقض له؟
فالجواب من وجوه :
الأول : معناه : لم يجد شيئا نافعا ، كما يقال : فلان ما عمل شيئا ، وإن كان قد اجتهد.
الثاني : «إذا جاءه» أي : جاء موضع السراب لم يجد السراب ، لأن السراب يرى من بعيد بسبب الكثافة ، كأنه (٤) ضباب وهباء ، فإذا قرب منه رق وانتشر وصار كالهواء (٥).
قوله : (وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ) أي : وجد عقاب الله عنده الذي توعد به الكافر (٦).
وقيل : وجد الله عنده ، أي : عند عمله ، أي وجد الله بالمرصاد.
وقيل : قدم على الله (فَوَفَّاهُ حِسابَهُ) أي : جزاء عمله (٧). قيل : نزلت في عتبة بن ربيعة بن أمية كان قد تعبد ولبس المسوح والتمس الدين في الجاهلية ثم كفر في الإسلام (٨).
قوله : (وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) لأنه تعالى عالم بجميع المعلومات ، فلا يشق (٩) عليه الحساب(١٠).
وقال بعض المتكلمين : «معناه : لا تشغله محاسبة أحد عن آخر كنحن (١١) ، ولو كان يتكلم بآلة كما تقول المشبهة (١٢) لما صح ذلك» (١٣).
قوله تعالى : (أَوْ كَظُلُماتٍ) هذا مثل آخر ضربة الله تعالى لأعمال الكفار ، وفي هذا العطف أوجه :
أحدها : أنه نسق على «كسراب» على حذف مضاف واحد ، تقديره : أو كذي ظلمات ، ودل على هذا المضاف قوله : (إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) فالكناية تعود إلى المضاف المحذوف. وهو قول أبي علي (١٤).
__________________
(١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٧.
(٢) موته : سقط من ب.
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٧.
(٤) في الأصل : فإنه. وفي ب : كناه. وما أثبتناه من الفخر الرازي.
(٥) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٧ ـ ٨.
(٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٨.
(٧) انظر القرطبي ١٢ / ٢٨٣.
(٨) الكشاف ٣ / ٧٨.
(٩) في ب : يسبق. وهو تحريف.
(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٨.
(١١) في ب : لنحن. وهو تحريف.
(١٢) في ب : للشبه. وهو تحريف.
(١٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٨.
(١٤) قال أبو علي : (معناه : أو كذي ظلمات. ويدل على المحذوف المضاف قوله : «إِذا أَخْرَجَ» والضمير الذي أضيف إليه «يد» يعود إلى المضاف المحذوف ، ومعنى ذي ظلمات : أنه في ظلمات) الحجة ٦ / ٥.