الوجه الثاني : قال الفراء (١) : إن (كاد) زائدة (٢). وهو بعيد.
الثالث : أن «كاد» خرّجت هاهنا على معنى «قارب» والمعنى : لم (٣) يقارب رؤيتها ، وإذا لم يقاربها باعدها ، وعليه جاء قول ذي الرمة في البيت المتقدم ، أي : لم يقارب البراح ، ومن هنا حكي عن ذي الرّمة أنه لما روجع في هذا البيت قال : (لم أجد) بدل (لم يكد) (٤).
والمعنى الثاني : أنه رآها بعد جهد ، والتشبيه على هذا صحيح ، لأنه مع شدة الظلمة إذا أحدّ نظره إلى يده وقرّبها من عينه رآها (٥) انتهى.
أما الوجه الأول وهو ما ذكره أن قول الأكثرين (إنه يكون نفيها إثباتا ، فقد تقدم أنه غير صحيح ، وليس هو قول الأكثر) (٦) وإنما غرّهم في ذلك آية البقرة ، وما أنشد بعضهم :
٣٨٣٨ ـ أنحويّ (٧) هذا العصر ما هي لفظة
البيتين (٨).
__________________
ـ يقارب الفعل ولم يفعل على صحة الكلام ، وهكذا معنى هذه الآية. إلا أن اللغة قد أجازت لم يكد يفعل ، في معنى : فعل بعد شدة وليس هذا صحة الكلام ، لأنه إذا قال : كاد يفعل ، فإنما يعني قارب الفعل ، وإذا قال : لم يكد يفعل ، يقول : لم يقارب الفعل ، إلا أن اللغة جاءت على ما فسر لك ، وليس هو على صحة الكلمة) معاني القرآن ٢ / ٥٢٥ ، وقال المبرد : (فأما قول الله عزوجل «إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها» فمعناه ـ والله أعلم ـ : لم يرها ولم يكد أي لم يدن من رؤيتها) المقتضب ٣ / ٧٥.
(١) لم ينسب أبو البقاء القول بزيادة (كاد) إلى الفراء ، وقد نسب ابن عادل القول بالزيادة إلى أبي بكر بن الأنباري وغيره ونسب الرضيّ في شرح الكافية الزيادة إلى الأخفش وأبو حيان في البحر إلى ابن الأنباري.
(٢) قال الرضي : (وعند الأخفش يجوز زيادة كاد) شرح الكافية ٢ / ٣٠٧ ، وقال أبو حيان (والزيادة قول ابن الأنباري) البحر المحيط ٦ / ٤٦٢.
(٣) لم : سقط من ب.
(٤) انظر ذلك في الخزانة ٩ / ٣١١ ـ ٣١٢.
(٥) التبيان ٢ / ٩٧٣ ـ ٩٧٤.
(٦) ما بين القوسين سقط من ب.
(٧) في ب : وهو نحوي.
(٨) البيتان بتمامهما :
أنحويّ هذا العصر ما هي لفظة |
|
جرت في لساني جرهم وثمود |
إذا استعملت في صورة الجحد أثبتت |
|
وإن أثبتت قامت مقام جحود |
وهما من الطويل لأبي العلاء العمري ، وأجاب ابن مالك على هذا اللغز بقوله :
نعم هي (كاد المرء أن يرد الحمى) |
|
فتأتي لإثبات نفسي ورود |
وفي عكسها (ما كاد أن يرد الحمى) |
|
فخذ نظمها فالعلم غير بعيد |
انظر الدرر اللوامع ١ / ١١٠ وقال ابن مالك في شرح الكافية الشافية : (قد اشتهر القول بأن (كاد) إثباتها نفي ونفيها إثبات حتى جعل هذا المعنى لغزا فقيل ، وهذا اللغز للمعري :
أنحوي هذا العصر ما هي لفظة ـ