القسم الأول ، وهو أن هذه الأشياء مشتركة في أن أجسامها وصفاتها دالة على تنزيه الله تعالى وقدرته وإلاهيته وتوحيده وعدله ، فسمى ذلك تنزيها توسعا. فإن قيل : فالتسبيح بهذا المعنى حاصل بجميع المخلوقات فما وجه تخصيصه هاهنا بالعقلاء؟ قلنا : لأن خلقة العقلاء أشد دلالة على وجود الصانع سبحانه ، لأن العجائب والغرائب في خلقهم أكثر ، وهي العقل والنطق والفهم» (١).
قوله : «والطّير». قرأ العامة : «والطّير» رفعا ، «صافّات» نصبا. فالرفع عطف على «من» والنصب على الحال (٢). وقرأ الأعرج : «والطّير» نصبا على المفعول معه ، و «صافّات» حال أيضا (٣). وقرأ الحسن وخارجة عن نافع : والطير صافّات» برفعهما (٤) على الابتداء والخبر ، ومفعول «صافّات» محذوف ، أي : أجنحتها.
قوله : (كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ) في هذه الضمائر أقوال :
أحدها : أنّها كلّها عائدة على «كلّ» (٥) ، أي : كلّ قد علم هو صلاة نفسه وتسبيحها ، وهذا أولى لتوافق الضمائر.
الثاني : أن الضمير في «علم» عائد إلى الله تعالى ، وفي (صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) عائد على «كلّ» ، ويدل عليه قوله تعالى : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ).
الثالث : بالعكس ، أي : علم كلّ صلاة الله وتسبيحه ، أي : اللذين أمر بهما وبأن يفعلا ، كإضافة الخلق إلى الخالق (٦) ، وعلى هذا فقوله : (وَاللهُ عَلِيمٌ) استئناف.
ورجّح أبو البقاء ألّا يكون الفاعل ضمير «كلّ» قال : «لأنّ القراءة برفع (كلّ) على الابتداء فيرجع ضمير الفاعل إليه ، ولو كان فيه ضمير الله (٧) لكان الأولى نصب (كلّ) لأن الفعل الذي بعدها قد نصب ما هو من سببها فيصير كقولك : (زيدا ضرب عمرو وغلامه) فتنصب (زيدا) بفعل دلّ عليه ما بعده ، وهو أقوى من الرفع ، والآخر جائز» (٨). قال شهاب
__________________
(١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٩ ـ ١٠.
(٢) أي أن «الطير» بالرفع عطف على «من» و «صافات» بالنصب على الحال. انظر التبيان ٢ / ٩٧٤ البحر المحيط ٦ / ٤٦٣.
(٣) المختصر (١٠٢) ، البحر المحيط ٦ / ٤٦٣.
(٤) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٦٣.
(٥) جوّز الزمخشري عود الضمير على «كل» أو لفظ الجلالة. قال : (والضمير في «علم» ل «كل» أو «الله» كذلك في «صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ») الكشاف ٣ / ٧٩ ، وانظر البحر المحيط ٦ / ٤٦٢.
(٦) قال الفراء : (وقوله : «وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ» ترفع كلّا بما عاد إليه من ذكره ، وهي الهاء في «صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ» وإن شئت جعلت العلم لكل أي كل قد علم صلاته وتسبيحه ، فإن شئت جعلت الهاء صلاة نفسه وتسبيحها ، وإن شئت تسبيح الله وصلاته التي نصليها له وتسبيحها ، وفي القول الأول : كل قد علم الله صلاته وتسبيحه) معاني القرآن ٢ / ٢٥٥. وانظر أيضا البحر المحيط ٦ / ٤٦٣.
(٧) في ب : اسم الله.
(٨) التبيان ٢ / ٩٧٤.