ذلك أن الفضلاء من العقلاء يعجزون عن أمثال هذه الحيل ، وإذا كان كذلك فلم لا يجوز أن يقال : إنها تسبح الله وتثني عليه وإن كانت غير عارفة بسائر الأمور التي يعرفها الناس (١) ، ويؤيد هذا قوله تعالى : (وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ)(٢). ثم قال : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ).
قرأ الجمهور بالياء من تحت على المبالغة في وصف قدرة الله تعالى وعلمه بخلقه (٣).
وقرأ عيسى والحسن بالتاء من فوق ، ففيه المعنى المذكور وزيادة الوعيد والتخويف من الله تعالى (٤) وفي مصحف أبيّ وابن مسعود : «والله بصير بما تفعلون» (٥).
قوله تعالى : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) تنبيه على أن الكل منه ، لأن كل ما سواه ممكن ومحدث ، والممكن والمحدث لا يوجد إلا عند الانتهاء إلى القديم الواجب ، ويدخل في هذا جميع الأجرام والأعراض ، وأفعال العباد وأحوالهم وخواطرهم (٦).
وقوله : (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) وهذا دليل على المعاد ، وأنه (٧) لا بدّ من مصير الكل إليه (٨).
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ (٤٣) يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ)(٤٤)
وهذه الرؤية بصرية. والإزجاء : السوق قليلا قليلا ، ومنه البضاعة المزجاة (٩) التي يزجيها كل أحد ، وإزجاء السير في الإبل : الرفق بها حتى تسير شيئا شيئا (١٠).
قوله : «بينه» إنما دخلت «بين» على مفرد ، وهي إنّما تدخل على مثنى فما فوقه ، لأنّه إما أن يراد بالسحاب : الجنس ، فعاد الضمير عليه على حكمه ، وإما أن يراد حذف مضافه أي : بين قطعه ، فإن كل قطعة سحابة (١١). قال (١٢) ابن عطية : بين مفترق السحاب ، لأن مفهوم السحاب يقتضي أن بينه فروجا (١٣). وورش عن نافع لا يهمز
__________________
(١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١١ ـ ١٢.
(٢) من قوله تعالى : «وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ» [الإسراء : ٤٤].
(٣) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٥٢٦.
(٤) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٥٢٦ ، البحر المحيط ٦ / ٤٦٤ ، الإتحاف (٣٢٥).
(٥) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٥٢٦.
(٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٢.
(٧) في ب : فإنه.
(٨) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٢.
(٩) في الأصل : المزجات.
(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٣ ، اللسان (زجا).
(١١) انظر معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٥٦ ، التبيان ٢ / ٩٧٤.
(١٢) في ب : وقال.
(١٣) تفسير ابن عطية ١٠ / ٥٢٧.