«يؤلّف». وقالون عن نافع والباقون يهمزون «يؤلّف» (١).
قوله : (ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً) أي : متراكما يركب (٢) بعضها على البعض ويتكاثف ، والعرب تقول: إن الله تعالى إذا جعل السحاب ركاما بالريح عصر (٣) بعضه بعضا فخرج الودق منه ، ومن ذلك قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً)(٤) ، ومن ذلك قول حسان بن ثابت :
٣٨٣٩ ـ كلتاهما حلب العصير فعاطني |
|
بزجاجة (٥) أر(٦)خاهما للمفصل (٧) |
وروي : «للمفصل» بكسر الميم وفتح الصاد. فالمفصل : واحد المفاصل. والمفصل : اللسان. وروي بالقاف. أراد حسان الخمر والماء الذي مزجت ، أي : من عصير العنب ، وهذه من عصير السحاب ، نقله ابن عطية (٨). وقال أهل الطبائع : إن تكوين (٩) السحاب والمطر والثلج والبرد والطل والصقيع في أكثر الأمر يكون من تكاثف البخار ، وفي الأقل من تكاثف الهواء.
أما الأول فالبخار الصاعد إن كان قليلا وكان في الهواء من الحرارة ما يحلل ذلك البخار فحينئذ ينحل وينقلب هواء ، وإن كان البخار كثيرا ولم يكن في الهواء من الحرارة ما يحلله فتلك الأبخرة المتصاعدة إمّا أن تبلغ في صعودها إلى الطبقة الباردة من الهواء أو لا تبلغ.
فإن بلغت فإما أن يكون البرد قويا أو لا يكون. فإن لم يكن البرد هنا قويا تكاثف ذلك البخار بذلك القدر من البرد واجتمع وتقاطر ، فالبخار المجتمع هو السحاب ، والمتقاطر هو المطر ، والديمة (١٠) والوابل (١١) إنما يكون من أمثال هذه الغيوم. وإن كان البرد شديدا فلا يخلوا إما أن يصل البرد إلى الأجزاء (١٢) البخارية قبل اجتماعها وانحلالها حبات كبار أو بعد صيرورتها كذلك. فإن كان على الوجه الأول نزل ثلجا. وإن كان على الوجه الثاني نزل بردا فإن لم تبلغ الأبخرة إلى الطبقة الباردة فإما أن تكون كثيرة أو قليلة.
__________________
(١) السبعة (٤٥٧) ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٥٢٨ ، البحر المحيط ٦ / ٤٦٤.
(٢) في ب : نزلت. وهو تحريف.
(٣) في ب : يعصر.
(٤) [النبأ : ١٤].
(٥) في النسختين : زجاجة.
(٦) مكان (أر) بياض في الأصل.
(٧) البيت من بحر الطويل قاله حسان بن ثابت ، وهو في ديوانه ١٢٤ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٥٢٩ اللسان (فصل) العصير : ما تعصر من الشيء أو تحلب منه عند عصره ، الحلب : المحلوب وحلب العصير : الخمر ، يطلب منه أن يقدم له خمرا خالصة غير ممزوجة ، لأنها هي التي تؤثر فيه.
(٨) تفسير ابن عطية ١٠ / ٥٢٧ ـ ٥٢٨.
(٩) في ب : تكون من.
(١٠) الدّيمة : المطر الذي ليس فيه رعد ولا برق ، أقله ثلث النهار أو ثلث الليل ، وأكثره ما بلغ من العدة ، والجمع ديم. اللسان (ديم).
(١١) الوبل والوابل : المطر الشديد الضّخم القطر. اللسان (وبل) وفي ب : الوابلي.
(١٢) في ب : الاجزاه.