ترادفت في صعودها والتصق بعضها بالبعض ، فهو سبحانه هو الذي جعلها ركاما ، فعلى جميع التقديرات توجه الاستدلال بهذه الأشياء على القدرة والحكمة (١).
قوله : (فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ). تقدم الخلاف في «خلال» هل هو مفرد كحجاب أم جمع كجبال جمع «جبل» (٢)؟ ويؤيد الأول قراءة ابن مسعود والضحاك ـ وتروى عن أبي عمرو أيضا ـ «من خلله» بالإفراد (٣) وقرأ عاصم والأعرج : «ينزّل» على المبالغة.
والجمهور على التخفيف (٤). والودق : قيل : هو المطر ضعيفا كان أو شديدا (٥) ، قال :
٣٨٤٠ ـ فلا مزنة ودقت ودقها |
|
ولا أرض أبقل إبقالها (٦) |
وقيل : هو البرق (٧) ، وأنشد :
٣٨٤١ ـ أثرن عجاجة وخرجن منها |
|
خروج الودق من خلل السّحاب (٨) |
والودق في الأصل مصدر ، يقال : «ودق السحاب يدق ودقا» (٩) و (١٠) «يخرج» حال ، لأن الرؤية بصرية.
قوله : (مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ). «من» الأولى لابتداء الغاية اتفاقا ، لأن ابتداء الإنزال من السماء. وأما الثانية ففيها ثلاثة أوجه :
أحدها (١١) : أنها لابتداء الغاية أيضا فهي ومجرورها بدل من الأولى بإعادة العامل ، والتقدير : وينزّل من جبال السماء ، أي : من جبال فيها ، فهو بدل اشتمال (١٢).
الثاني : أنها للتبعيض ، قاله الزمخشري (١٣) وابن عطية (١٤) ، لأن جنس تلك الجبال
__________________
(١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٣ ـ ١٥.
(٢) ذكر ابن عادل في سورة التوبة عند قوله تعالى : «وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ» من الآية (٤٧) أن الخلال جمع خلل وهو الفرجة بين الشيئين ويستعار في المعاني ، فيقال : في هذا الأمر خلل. انظر اللباب ٤ / ٢١٩ ، وذكر في الإسراء عند قوله تعالى : «خِلالَ الدِّيارِ» من الآية (٥) في الخلال وجهين أحدهما : أنه اسم مفرد بمعنى وسط ، ويؤيده قراءة الحسن «خلل الديار». والثاني : أنه جمع (خلل) بفتحتين كجبل وجبال وجمل وجمال. انظر اللباب ٥ / ٢٤٨.
(٣) انظر المختصر (١٠٢) ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٥٣٠ ، البحر المحيط ٦ / ٤٦٤.
(٤) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٥٣٠.
(٥) اللسان (ودق).
(٦) البيت من بحر المتقارب قاله عامر بن جوين الطائي ، وقد تقدم.
(٧) وهو قول الأشهب العقيلي. البحر المحيط ٦ / ٤٤٤.
(٨) البيت من بحر الوافر نسبه أبو عبيدة وابن منظور لزيد الخيل ، انظر اللسان (ودق).
(٩) اللسان (ودق).
(١٠) و : سقط من ب.
(١١) في ب : أحدها : أنها اتفاقا لأن ابتداء الانزال من السماء وأما الثانية ففيها ثلاثة أوجه أحدها.
(١٢) انظر الكشاف ٣ / ٧٩ ، والتبيان ٢ / ٩٧٥.
(١٣) قال الزمخشري : (الأولى لابتداء الغاية والثانية للتبعيض) الكشاف ٣ / ٧٩.
(١٤) قال ابن عطية : (و «من» في قوله تعالى : «مِنَ السَّماءِ» هي لابتداء الغاية ، وفي قوله : «من جبال» هي ـ