وليس ردّهما بصواب ، لأنّها تتخرّج على ما خرّج ما قرىء به في المتواتر : (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ)(١) من أنّ الباء مزيدة (٢) ، أو أنّ المفعول محذوف والباء بمعنى «من» تقديره : يذهب النور من الأبصار(٣)، كقوله (٤) :
٣٨٤٤ ـ شرب النّزيف ببرد ماء الحشرج (٥)
فصل (٦)
المعنى : يكاد ضوء برق السحاب يذهب بالأبصار من شدة ضوئه. واعلم أنّ البرق الذي صفته(٧) كذلك لا بد وأن يكون نارا عظيمة خالصة ، والنار ضد الماء والبرد ، فظهوره يقتضي ظهور الضد من الضد ، وذلك لا يمكن إلا بقدرة قادر (٨) حكيم (٩) ، ثم قال : (يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) يصرفهما في اختلافهما ، ويعاقبهما : يأتي بالليل ويذهب بالنهار ، ويأتي بالنهار ويذهب بالليل قال عليهالسلام (١٠) : «قال الله تعالى : يؤذيني ابن آدم ، يسبّ (١١) الدهر وأنا الدهر ، بيدي الأمر ، أقلّب الليل والنهار» (١٢). وقيل : المراد ولوج (١٣) أحدهما في الآخر.
وقيل : المراد تغير أحوالهما في الحر والبرد وغيرهما (١٤). (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) أي : إن في الذي ذكرت من هذه الأشياء (لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ)
__________________
(١) [المؤمنون : ٢٠]. والقراءة بضم التاء وكسر الباء قراءة ابن كثير وأبي عمرو ، وقرأ الباقون «تنبت» بفتح التاء وضم الباء السبعة (٤٤٥).
(٢) وقياس قوله في «تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ» يقتضي أن تكون الباء عنده مزيدة ، حيث قال : (لأن الباء تزاد في كثير من الكلام نحو قوله : «تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ» أي : تنبت الدهن) معاني القرآن للأخفش ٢ / ٦٤٦.
(٣) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٦٥.
(٤) في ب : وقوله.
(٥) عجز بيت من بحر الكامل ، قاله عمر بن أبي ربيعة ، وقيل لجميل بن معمر ، وصدره :
فلثمت فاها آخذا بقرونها
وهو في ديوان عمر (٤٨٨) ، الكامل ١ / ٣٨٢ ، اللسان (حشرج) ، المغني ١ / ١٠٥ ، المقاصد النحوية ٣ / ٢٧٩ ، شرح شواهد المغني ١ / ٤٢٠ ، الهمع ٢ / ٢١ ، الدرر ٢ / ١٤ ، النزيف المحموم الذي منع من الماء. الحشرج : الكوز الصغير اللطيف ، وقيل : الماء الذي تحت الأرض لا يفطن له في أباطح الأرض ، والشاهد فيه أن الباء بمعنى (من).
(٦) فصل : سقط من ب.
(٧) في ب : وصفته.
(٨) في ب : حاكم.
(٩) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٥.
(١٠) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١١) في ب : بسبب.
(١٢) أخرجه البخاري (تفسير) ٣ / ١٨٧ ، مسلم (ألفاظ) ٤ / ١٧٦٢ ، أبو داود (أدب) ٥ / ٤٢٣ ـ ٤٢٤ ، أحمد ٢ / ٢٣٨ ـ ٢٧٢.
(١٣) في ب : ولوح. وهو تصحيف.
(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٥.