البصائر (١) ، أي : دلالة لأهل العقول على قدرة الله وتوحيده (٢).
قوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤٥) لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)(٤٦)
قوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ) الآية.
لما استدل أولا بأحوال السماء والأرض ، وثانيا بالآثار العلوية استدل ثالثا بأحوال الحيوانات. قال ابن عطية : قرأ حمزة والكسائي : «والله خالق كلّ دابّة» على الإضافة (٣) ، فإن قيل : لم قال : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ) مع أن كثيرا من الحيوانات لم يخلق من الماء ، كالملائكة (٤) خلقوا من النور (٥) ، وهم أعظم الحيوانات عددا ، وكذلك الجن وهم مخلوقون من النار ، وخلق آدم من التراب لقوله : (خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ)(٦) وخلق عيسى من الريح لقوله : (فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا)(٧) ونرى كثيرا من الحيوانات يتولد لا عن نطفة؟ فالجواب من وجوه :
أحسنها : ما قال القفال : إنّ «ماء» صلة (كُلَّ دَابَّةٍ) وليس هو من صلة «خلق» والمعنى: أنّ كلّ دابّة متولدة من الماء فهي مخلوقة لله تعالى.
وثانيها : أنّ أصل (٨) جميع المخلوقات الماء على ما روي : «أول ما خلق الله جوهرة فنظر إليها بعين الهيبة فصارت ماء ، ثم من ذلك الماء خلق النار والهواء والنور». والمقصود من هذه الآية : بيان أصل الخلقة ، وكان أصل الخلقة الماء ، فلهذا ذكره الله تعالى.
وثالثها : المراد من «الدّابّة» : التي تدب (٩) على وجه الأرض ، ومسكنهم هنالك (١٠) ، فيخرج الملائكة والجن ، ولما كان الغالب من هذه الحيوانات كونهم مخلوقين من الماء ، إما لأنها متولدة من النطفة ، وإما لأنها لا تعيش إلا بالماء ، لا جرم أطلق عليه لفظ الكل تنزيلا للغالب منزلة الكل (١١).
وقيل : الجار في قوله (١٢) : «من ماء» متعلق ب «خلق» أي : خلق من ماء كلّ دابّة ، و «من» لابتداء الغاية (١٣). ويرد على هذا السؤال المتقدم.
__________________
(١) البصائر : سقط من ب.
(٢) انظر البغوي ٦ / ١٣٢.
(٣) السبعة (٤٥٧) ، الكشف ٢ / ١٤٠ ، النشر ٢ / ٣٣٢ ، الإتحاف (٣٢٦) وانظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٥٣٢.
(٤) في ب : الملائكة.
(٥) في ب : النار. وهو تحريف.
(٦) من قوله تعالى : «إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» [آل عمران : ٥٩].
(٧) [التحريم : ١٢].
(٨) في ب : أصله.
(٩) في ب : دبت.
(١٠) في ب : هناك.
(١١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٦.
(١٢) في ب : قوله تعالى.
(١٣) واستظهره أبو حيان ٦ / ٤٦٥.