أي (١) هم كذلك ، (أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ) أي : يظلم (بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ، لأنفسهم بإعراضهم عن الحق (٢).
قال الحسن بن أبي الحسن (٣) : من دعا خصمه إلى حكم من أحكام المسلمين فلم يجب ، فهو ظالم (٤) فإن قيل : إذا خافوا أن يحيف الله عليهم ورسوله فقد ارتابوا في الدين ، وإذا ارتابوا ففي قلوبهم مرض ، فالكل واحد ، فأي فائدة في التعديد (٥)؟
فالجواب : قوله : (أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) إشارة إلى النفاق ، وقوله : (أَمِ ارْتابُوا) إشارة إلى أنهم بلغوا في حب الدنيا إلى حيث يتركون الدين بسببه (٦). فإن قيل : هذه الثلاثة متغايرة ولكنها متلازمة ، فكيف أدخل عليها كلمة «أم»؟
فالجواب الأقرب أنه تعالى أنبههم (٧) على (٨) كل واحدة من هذه الأوصاف ، فكان في قلوبهم مرض وهو النفاق ، وكان فيها شك وارتياب ، وكانوا يخافون الحيف من الرسول ، وكل واحد من ذلك كفر ونفاق ، ثم بين تعالى بقوله : (بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) بطلان ما هم عليه ، لأن الظلم يتناول كل معصية ، كما قال تعالى : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)(٩) (١٠).
قوله تعالى : (إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥١) وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (٥٢) وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (٥٣) قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ)(٥٤)
قوله تعالى : (إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ). العامة على نصب «قول» خبرا ل «كان» ، والاسم «أن» (١١) المصدرية وما بعدها. وقرأ أمير المؤمنين والحسن وابن أبي إسحاق برفعه (١٢) على أنه الاسم ، و «أن» وما في حيّزها الخبر ، وهي عندهم مرجوحة ، لأنه متى اجتمع معرفتان فالأولى جعل الأعرف الاسم (١٣) ، وإن كان سيبويه خيّر في ذلك بين كل
__________________
(١) في ب : أ.
(٢) انظر البغوي ٦ / ١٣٦.
(٣) تقدم.
(٤) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٥٣٤.
(٥) في ب : التعدد.
(٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢١.
(٧) في الفخر الرازي : ذمهم.
(٨) في ب : عن.
(٩) [لقمان : ١٣].
(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢١.
(١١) أن : سقط من ب.
(١٢) المختصر (١٠٣) ، المحتسب ٢ / ١١٥ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٥٣٦ ، البحر المحيط ٦ / ٤٦٨.
(١٣) انظر الكشاف ٣ / ٨١.