منكم طاعة معروفة. هذا على قراءة الرفع (١). وأما على قراءة النصب (٢) فالمعنى : أطيعوا الله طاعة (٣) و (اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) أي : لا يخفى عليه شيء من سرائركم ، فإنه فاضحكم لا محالة ، ومجازيكم على نفاقكم ، ثم قال : (قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا (٤) الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا) أي : عن طاعة الله ورسوله (فَإِنَّما عَلَيْهِ) أي : على الرسول «ما حمّل» كلّف وأمر به من تبليغ الرسالة (وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ) من الإجابة والطاعة (٥). وقرأ نافع في رواية : «فإنّما عليه ما حمل» بفتح الحاء والتخفيف أي: فعليه إثم ما حمل من المعصية (٦).
(وَإِنْ تُطِيعُوهُ (٧) تَهْتَدُوا) أي : تصيبوا الحق ، وإن عصيتموه ، ف (ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ). و «البلاغ» بمعنى : التبليغ. و «المبين» : الواضح (٨).
قوله : (فَإِنْ تَوَلَّوْا) يجوز أن يكون ماضيا ، وتكون الواو ضمير الغائبين ويكون في الكلام التفات من الخطاب إلى الغيبة ، وحسّن الالتفات هنا كونه لم يواجههم بالتولّي والإعراض ، وأن يكون مضارعا حذفت إحدى تاءيه ، والأصل : «تتولّوا» (٩) ، ويرجّح هذا قراءة البزّيّ : بتشديد (التاء (١٠) «فإن) (١١) تّولّوا». وإن كان بعضهم يستضعفها للجمع بين ساكنين على غير حدّهما.
ويرجّحه أيضا الخطاب في قوله : (وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) ، ودعوى الالتفات من (١٢) الغيبة إلى الخطاب ثانيا بعيد.
قوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ)(٥٥)
قوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الآية.
تقدير النظم : بلّغ أيها الرسول وأطيعوا أيها المؤمنون فقد (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) أي : الذين (١٣) جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح أن يستخلفهم في الأرض فيجعلهم الخلفاء والغالبين والمالكين ، كما استخلف عليها من قبلهم في زمن داود
__________________
(١) وهي قراءة العامة. أي أن (طاعة) فاعل لفعل محذوف ، وقد ضعف ابن عادل هذا الوجه ، وهو الوجه الثالث.
(٢) وفي قراءة زيد بن علي واليزيدي ، كما تقدم.
(٣) أي أن (طاعة) بالنصب بفعل مضمر ، كما تقدم.
(٤) وأطيعوا : سقط من النسختين.
(٥) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٣.
(٦) المرجع السابق.
(٧) في ب : وأن تطيعوا. وهو تحريف.
(٨) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٣.
(٩) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٥٣٧ ، البحر المحيط ٦ / ٤٦٨.
(١٠) انظر الإتحاف (٢٣٦).
(١١) ما بين القوسين في ب : الروان. وهو تحريف.
(١٢) في ب : إلى. وهو تحريف.
(١٣) في الأصل : الذي.