والنساء يستأذنون على كل حال في الليل والنهار. واختلف العلماء في هذا الندب : فقيل للأمر. وقيل : للوجوب ، وهو الأظهر (١). قوله : (وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ) أي : من الأحرار ، وليس المراد: الأطفال الذين لم يظهروا على عورات النساء ، بل الذين عرفوا أمر النساء ، ولكن لم يبلغوا.
واتفق الفقهاء على أن الاحتلام بلوغ. واختلفوا في بلوغ خمس عشرة سنة (٢) إذا لم يوجد احتلام: قال أبو حنيفة : لا يكون بالغا حتى يبلغ ثماني عشرة سنة ، ويستكملها الغلام والجارية تستكمل سبع عشرة. وقال الشافعي وأبو يوسف ومحمد : في الغلام والجارية خمس (٣) عشرة سنة إذا لم يحتلم ، لما روى ابن عمر أنه عرض على النبي (٤) يوم أحد ، وهو ابن أربع عشرة سنة ، فلم يجزه ، وعرض عليه يوم الخندق وله خمس عشرة سنة ، فأجازه. قال أبو بكر الرازي : هذا الخبر مضطرب ، لأن أحدا كان في سنة ثلاث ، والخندق كان في سنة خمس ، فكيف يكون بينهما سنة؟ ثم مع ذلك فإن الإجازة في القتال لا تعلق لها بالبلوغ ، فقد لا يؤذن للبالغ لضعفه ، ويؤذن لغير البالغ لقوته ولطاقته لحمل السلاح ، ولذلك لم يسأله النبي ـ عليهالسلام (٥) ـ عن الاحتلام والسن (٦). واختلفوا في الإنبات (٧) : هل يكون بلوغا؟ فأصحاب الرأي لم يجعلوه بلوغا ، لقوله ـ عليهالسلام (٨) ـ : «وعن الصبي حتى يحتلم» (٩). وقال الشافعي : هو بلوغ ، لأن النبي ـ عليهالسلام (١٠) ـ : أمر بقتل من أنبت من بني قريظة. قال الرازي : الإنبات يدل على القوة البدنية ، فالأمر بالقتل (١١) لذلك لا للبلوغ (١٢).
فصل
قال أبو بكر الرازي (١٣) : دلت هذه الآية على أن من لم يبلغ وقد عقل يؤمر بفعل الشرائع ، وينهى عن ارتكاب القبائح ، فإن الله تعالى أمرهم بالاستئذان في هذه الأوقات.
وقال عليهالسلام (١٤) : «مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع ، واضربوهم على تركها وهم أبناء عشر»(١٥).
__________________
(١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٩.
(٢) في ب : خمسة عشر سنة.
(٣) في ب : خمسة.
(٤) في ب : النبي صلىاللهعليهوسلم.
(٥) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٩ ـ ٣٠.
(٧) أنبت الغلام : راهق واستبان شعائر عانته ونبت ، وفي حديث بني قريظة : فكل من أنبت منهم قتل ، أراد نبات شعائر العانة فجعله علامة للبلوغ. اللسن (نبت).
(٨) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٩) سبق تخريجه.
(١٠) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١١) في ب : بالقتال.
(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٣٠.
(١٣) الرازي : سقط من ب.
(١٤) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٥) أخرجه الترمذي (صلاة) ٢ / ٢٥٩.