الرابع : أن يرتفع «كثير» على الابتداء أيضا ويكون خبره (مِنَ النَّاسِ) أي من الناس الذين هم الناس على الحقيقة ، وهم الصالحون والمتقون (١).
الخامس : أن يرتفع بالابتداء أيضا ويبالغ في تكثير المحقوقين (٢) بالعذاب فيعطف «كثير» على «كثير» ثم يخبر عنهم ب (حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ) ، ذكر ذلك الزمخشري كما تقدم (٣).
قال أبو حيان بعد أن حكى عن الزمخشري الوجهين الأخيرين قال (٤) : وهذان التخريجان ضعيفان (٥). (ولم يبين وجه ضعفهما) (٦). قال شهاب الدين : أما أولهما فلا شك في ضعفه إذ لا فائدة طائلة في الإخبار بذلك ، وأما الثاني فقد يظهر ، وذلك أن التكرير (٧) يفيد التكثير وهو قريب من قولهم : عندي ألف وألف ، وقوله :
٣٧٥٢ ـ لو عدّ قبر وقبر كنت أكرمهم (٨)(٩)
وقرأ الزّهري «والدواب» مخفف الباء (١٠) ، قال أبو البقاء : ووجهها أنّه حذف الباء الأولى كراهية التّضعيف والجمع بين ساكنين (١١). وقرأ جناح بن حبيش : «وكبير» بالباء الموحدة (١٢).
وقرىء «وكثير حقا» بالنصب (١٣) ، وناصبه محذوف وهو الخبر تقديره : وكثير حق عليه العذاب حقا ، و «العذاب» مرفوع بالفاعلية. وقرىء «حقّ» مبنيا للمفعول (١٤). وقال ابن عطية : (وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ) يحتمل أن يكون معطوفا على ما تقدم أي : وكثير حق عليه العذاب يسجد أي كراهية وعلى رغمه إما بظله وإما بخضوعه عند المكاره (١٥). فقوله : معطوف على ما تقدم يعني عطف الجمل لا (١٦) أنه هو وحده عطف على ما قبله بدليل أنه قدره مبتدأ وخبره قوله : يسجد.
__________________
(١) الكشاف ٣ / ٢٨.
(٢) في ب : المحققين. وهو تحريف.
(٣) الكشاف ٣ / ٢٨.
(٤) في ب : وقال.
(٥) البحر المحيط ٦ / ٣٥٩.
(٦) ما بين القوسين سقط من الأصل.
(٧) في ب : التكرار.
(٨) صدر بيت من بحر بسيط ، وعجزه :
ميتا وأبعدهم عن منزل الذّام
قاله عصام بن عبيد الزماني ، وهو شاعر جاهلي ، ونسبه الجاحظ إلى همام الرقاشي ، وهو في البيان والتبيين ٢ / ٣١٦ ، ٣ / ٣٠٢ ، ٤ / ٨٥ ، المقرب (٣٩٤) الخزانة ٧ / ٤٧٣.
الذّام : لغة في الذم ـ بتشديد الميم ـ وهو العيب. والشاهد فيه أن التكرير يفيد التكثير ، إذ المراد : لو عدت القبور قبرا قبرا.
(٩) الدر المصون ٥ / ٦٨.
(١٠) المحتسب ٢ / ٧٦ ، البحر المحيط ٦ / ٣٥٩.
(١١) التبيان ٢ / ٣٩٦.
(١٢) البحر المحيط ٦ / ٣٥٩.
(١٣) المختصر (٩٤) البحر المحيط ٦ / ٣٥٩.
(١٤) البحر المحيط ٦ / ٣٥٩.
(١٥) تفسير ابن عطية ١٠ / ٢٤٦.
(١٦) في ب : إلا.