صلاة العشاء. وخص هذه الأوقات لأنها ساعات الخلوة ووضع الثياب ، فربما يبدو من الإنسان ما لا يحب أن يراه أحد من العبيد والصبيان ، فأمرهم بالاستئذان في هذه الأوقات ، فأما غيرهم فيستأذنون في جميع الأوقات (١). وسميت هذه الأوقات عورات لأن الإنسان يضع فيها ثيابه فتبدو عورته (٢).
فصل
قال بعضهم : إن قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها)(٣) يدل على أن الاستئذان واجب في كل حال ، فنسخ بهذه الآية في غير هذه الأحوال الثلاثة (٤). قال ابن عباس : لم يكن للقوم ستور ولا حجاب ، وكان الخدم والو لا ئد يدخلون ، فربما يرون منهم ما لا يحبون ، فأمروا بالاستئذان ، وقد بسط الله الرزق ، واتخذ الناس الستور ، فرأى أن ذلك أغنى عن الاستئذان (٥).
وقال آخرون : الآية الأولى أريد بها المكلف ، لأنه خطاب لمن آمن ، والمراد بهذه الآية غير المكلف ، لا يدخل (٦) في بعض الأحوال إلا بإذن ، وفي بعضها بغير إذن ، ولا وجه للنسخ (٧). فإن قيل : قوله : (الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) يدخل فيه من بلغ ، فالنسخ لا زم؟
فالجواب أن قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا)(٨) لا يدخل تحته العبيد والإماء ، فلا يجب النسخ (٩). قال أبو عبيد (١٠) : لم يصر أحد من العلماء إلى أن الأمر بالاستئذان منسوخ (١١). وروى عطاء عن ابن عباس أنه قال : ثلاث آيات من كتاب الله تركهن الناس (١٢) لا أرى أحدا يعمل (١٣) بهن ، قال عطاء : حفظت آيتين ونسيت واحدة ، وقرأ (١٤) هذه الآية ، وقوله (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى)(١٥) وذكر سعيد بن جبير أن الآية الثالثة : (وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى)(١٦) ... الآية» (١٧).
__________________
(١) انظر البغوي ٦ / ١٤٣.
(٢) انظر البغوي ٦ / ١٤٤.
(٣) [النور : ٢٧].
(٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٣٢.
(٥) انظر القرطبي ١٢ / ٣٠٣.
(٦) لا يدخل : مكرر في ب.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٣٢.
(٨) [النور : ٢٧].
(٩) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٣٢.
(١٠) كذا في النسختين ، وفي الفخر الرازي : قال أبو حنيفة رحمهالله.
(١١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٣٢.
(١٢) في ب : للناس.
(١٣) في ب : لعمل.
(١٤) في ب : قرأ.
(١٥) [الحجرات : ١٣].
(١٦) من قوله تعالى : «وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً» [النساء : ٨].
(١٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٣٢.