وقوله : (مِنَ النِّساءِ) وما بعده بيان لهن. و «القواعد» مبتدأ ، و (مِنَ النِّساءِ) حال ، و «اللّاتي» صفة القواعد لا للنساء ، وقوله : (فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ) ، الجملة خبر المبتدأ (١) ، وإنما دخلت الفاء لأن المبتدأ موصوف بموصول ، لو كان ذلك الموصول مبتدأ لجاز دخولها في خبره ، ولذلك منعت أن تكون «اللاتي» صفة للنساء ، إذ لا يبقى مسوغ لدخول الفاء في خبر المبتدأ (٢).
وقال أبو البقاء : ودخلت الفاء لما (٣) في المبتدأ (٤) من معنى الشرط ، لأن الألف واللام بمعنى الذي (٥) وهذا مذهب الأخفش ، وتقدم تحقيقه في المائدة (٦) ، ولكن هنا ما يغني عن ذلك ، وهو وصف المبتدأ بالموصول المذكور ، و (غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ) حال من «عليهن» (٧). (والتّبرّج الظهور من البرج) (٨) وهو البناء الظاهر ، والتبرج : سعة العين يرى بياضها محيطا بسوادها كله ، لا يغيب منه شيء والتبرج : إظهار ما يجب إخفاؤه بأن تكشف المرأة للرجال (بإبداء) (٨) زينتها وإظهار محاسنها (٩). و «بزينة» متعلق به. قوله : (وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ) مبتدأ بتأويل : «استعفافهنّ» ، و «خير» خبره.
فصل
قال المفسرون : القواعد : هن اللواتي قعدن عن الحيض والولد من الكبر ، ولا مطمع (١٠) لهن في الأزواج.
والأولى ألا يعتبر قعودهن عن الحيض ، لأن ذلك ينقطع ، والرغبة فيهن باقية ، والمراد : قعودهن عن الأزواج ، ولا يكون ذلك إلا عند بلوغهن إلى حيث لا يرغب فيهن الرجال لكبرهن (١١) قال ابن قتيبة : سميت المرأة قاعدا إذا كبرت ، لأنها تكثر (١٢) القعود (١٣) وقال ربيعة : هنّ العجز (١٤) اللواتي إذا رآهنّ الرجل استقذرهن (١٥) ، فأما من كانت فيها بقية من جمال ، وهي محل الشهوة ، فلا تدخل في هذه الآية (١٦). «فليس
__________________
(١) انظر التبيان ٢ / ٩٧٨.
(٢) انظر البيان ٢ / ٢٠٠.
(٣) لما : سقط من ب.
(٤) في الأصل : الابتداء.
(٥) التبيان ٢ / ٩٧٨.
(٦) عند قوله تعالى : «وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما»[المائدة : ٣٨]. انظر اللباب ٣ / ٢٤٩.
(٧) انظر البيان ٢ / ٢٠٠.
(٨) ما بين القوسين سقط من ب.
(٨) ما بين القوسين سقط من ب.
(٩) انظر الكشاف ٣ / ٨٤ ، اللسان (برج).
(١٠) في الأصل : يطمع ، وفي ب : طمع. والتصويب من الفخر الرازي.
(١١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٣٣.
(١٢) في ب : تكبر.
(١٣) قال ابن قتيبة : (ولا أراها سميت قاعدا إلا بالقعود ، لأنها إذا أسنّت عجزت عن التصرف ، وكثرة الحركة ، وأطالت القعود ، فقيل لها قاعد بلا هاء) تفسير غريب القرآن (٣٠٨).
(١٤) في ب : من الفجر. وهو تحريف.
(١٥) انظر القرطبي ١٢ / ٣٠٩.
(١٦) انظر البغوي ٦ / ١٤٥.