فصل (١)
قال ابن عباس في رواية عطاء : (وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) يوحده ، (وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ) ممن لا يوحده ، وروي عنه أنه قال : (وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) في الجنة. وهذه الرواية تؤكد أن قوله (وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) مبتدأ وخبره محذوف. وقال آخرون الوقف على قوله (وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) ثم استأنف بواو الاستئناف فقال : (وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ).
(وأما قوله تعالى (وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) فالمعنى أن الذين حق عليهم العذاب) (٢) ليس لهم أحد يقدر على إزالة ذلك الهوان عنهم (٣) مكرما لهم. ثم بين بقوله (إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) أنه الذي يصح منه الإكرام والهوان يوم القيامة بالثواب والعقاب.
قوله تعالى : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ (١٩) يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (٢٠) وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (٢١) كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٢٢) إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (٢٣) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ)(٢٤)
قوله تعالى : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) الآية. لما بين أن الناس قسمان منهم من يسجد لله ، ومنهم من حق عليه العذاب ذكر هاهنا كيفية اختصامهم. والخصم : في الأصل مصدر ولذلك يوحد ويذكر غالبا ، وعليه قوله تعالى (نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا)(٤).
ويجوز أن يثنى ويجمع ويؤنث ، وعليه هذه الآية. ولما كان كل خصم فريقا يجمع طائفة قال (اخْتَصَمُوا) بصيغة الجمع كقوله : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا)(٥) فالجمع مراعاة للمعنى(٦) وقرأ ابن أبي عبلة «اختصما» (٧) مراعاة للفظ وهي مخالفة للسواد. وقال أبو البقاء : وأكثر الاستعمال توحيده فيمن ثناه (٨) وجمعه حمله على الصفات والأسماء. و (اخْتَصَمُوا) إنما جمع حملا على المعنى لأن كل خصم (٩) تحته أشخاص (١٠).
__________________
(١) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ٢١.
(٢) ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي.
(٣) في ب : عليهم. وهو تحريف.
(٤) في ب : تور. وهو تحريف. من قوله تعالى : «وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ» [ص : ٢١].
(٥) [الحجرات : ٩].
(٦) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٦٠.
(٧) المرجع السابق.
(٨) في ب : ثنى. وهو تحريف.
(٩) في الأصل : شخص. وهو تحريف.
(١٠) التبيان ٢ / ٩٣٧.