مجهودا ، فسأله عن حاله فقال : تحرجت من أكل طعامك بغير إذنك ، فأنزل الله هذه الآية (١) وكان الحسن وقتادة يريان دخول الرجل بيت صديقه والتحرم بطعامه من غير استئذان منه في الأكل بهذه الآية(٢). والمعنى : ليس عليكم جناح أن تأكلوا من منازل هؤلاء إذا دخلتموها وإن لم يحضروا من غير أن تتزودوا وتحملوا (٣). يحكى أن الحسن دخل داره وإذا حلقة (٤) من أصدقائه وقد أخرجوا سلالا من تحت سريره فيها الخبيص (٥) وأطايب الأطعمة مكبون (٦) عليها يأكلون ، فتهلل أسارير وجهه سرورا وضحك ، وقال : «هكذا وجدناهم» يعني : كبراء (٧) الصحابة (٨). وعن ابن عباس : الصديق أكبر من الوالدين ، لأن أهل جهنم لمّا استغاثوا لم يستغيثوا بالآباء والأمهات ، بل قالوا : (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ* وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ)(٩).
وحكي أن أخا الربيع بن خيثم دخل منزله في حال غيبته فانبسط إلى جاريته حتى قدمت إليه ما أكل ، فلما قدم أخبرته بذلك ، فانسر لذلك وقال : إن صدقت فأنت حرة (١٠).
فصل
احتج أبو حنيفة بهذه الآية على أن من سرق من ذي رحم محرم أنه لا يقطع ، لأن الله تعالى أباح لهم الأكل من بيوتهم ، ودخولها بغير إذنهم ، فلا (١١) يكون ماله محرزا منهم. فإن قيل : فيلزم ألا يقطع إذا سرق من مال صديقه؟
فالجواب : من أراد سرقة ماله لا يكون صديقا له (١٢).
قوله : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً) قال الأكثرون : نزلت في بني ليث(١٣) بن عمرو حي من كنانة ، كان الرجل منهم لا يأكل وحده ، ويمكث يومه حتى يجد ضيفا يأكل معه ، فإن لم يجد من يؤاكله لم (١٤) يأكل شيئا ، وربما قعد الرجل والطعام بين يديه من الصباح إلى الرواح(١٥) ، وربما كانت معه الإبل الحفل (١٦) فلا
__________________
(١) انظر البغوي ٦ / ١٤٩.
(٢) انظر البغوي ٦ / ١٤٩ ـ ١٥٠.
(٣) انظر البغوي ٦ / ١٥٠.
(٤) في النسختين : خلفه.
(٥) الخبيص : الحلواء المخبوصة. اللسان (خبص).
(٦) في النسختين : مكتوب. والصواب ما أثبته.
(٧) كبراء : سقط من ب.
(٨) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٣٧.
(٩) [الشعراء : ١٠٠ ، ١٠١]. وانظر الفخر الرازي ٢٤ / ٣٧.
(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٣٧.
(١١) في ب : ولا.
(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٣٧.
(١٣) ليث : مكرر في الأصل.
(١٤) في ب : لا.
(١٥) الرواح : نقيض الصباح ، وهو اسم للوقت ، وقيل : الرواح العشي ، وقيل : الرواح من لدن زوال الشمس إلى الليل. اللسان (روح).
(١٦) حفل اللبن في الضرع يحفل حفلا وحفلا واحتفل : اجتمع ، وحفله هو وحفّله ، وضرع حافل أي : ممتلىء لبنا. اللسان (حفل).