ويؤيّد هذا أن سيبويه حكى عن بعض العرب «اطّجع» في «اضطجع» (١) ، وإذا جاز إدغامها في الطاء فإدغامها في الشين أولى.
والخصم لا يسلم جميع ما ذكر ، ومستند المنع واضح.
فصل (٢)
(فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ) أمرهم (فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ) بالانصراف ، أي : إن شئت فأذن وإن شئت فلا تأذن ، (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ) وهذا تنبيه على أن الأولى ألا يستأذنوا وإن أذن ، لأن الاستغفار يكون عن ذنب. ويحتمل أن يكون أمره بالاستغفار لهم مقابلة على تمسكهم بإذن الله تعالى في الاستئذان (٣).
فصل
قال مجاهد : قوله : فأذن لمن شئت منهم نسخت هذه الآية. وقال قتادة : نسخت هذه الآية بقوله : (لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ)(٤). والآية تدل على أنه تعالى فوض إلى رسول الله بعض أمر الدين ليجتهد فيه رأيه (٥).
قوله (٦) : (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً). قال سعيد بن جبير وجماعة كثيرة : لا تنادونه باسمه فتقولون : يا محمد ، ولا بكنيته فتقولون : يا أبا القاسم ، بل نادوه وخاطبوه بالتوقير : يا رسول الله ، يا نبي الله (٧). وعلى هذا يكون المصدر مضافا لمفعوله (٨). وقال المبرد والقفال : لا تجعلوا دعاءه إياكم كدعاء بعضكم لبعض فتتباطؤون كما يتباطأ بعضكم عن بعض إذا دعاه لأمر ، بل يجب عليكم المبادرة لأمره ، ويؤيده قوله : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ)(٩). وعلى هذا يكون المصدر مضافا للفاعل (١٠).
وقال ابن عباس : «احذروا دعاء الرسول عليكم إذا أسخطتموه ، فإن دعاءه موجب لنزول البلاء بكم ليس كدعاء غيره» (١١). وروي عنه أيضا : «لا ترفعوا أصواتكم في دعائه». وهو المراد من قوله: (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ)(١٢) وقول المبرد أقرب إلى نظم الآية. وقرأ الحسن : «نبيكم» بتقديم النون على الباء المكسورة ، بعدها ياء
__________________
(١) قال سيبويه : (وذلك قولك : مضطجع ، وإن شئت قلت مضّجع ، وقد قال بعضهم : مطّجع حيث كانت مطبقة ولم تكن في السمع كالضاد ، وقربت منها وصارت في كلمة واحدة) الكتاب ٤ / ٤٧٠.
(٢) في ب : قوله.
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٣٩.
(٤) من قوله تعالى : «عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ» [التوبة : ٤٣].
(٥) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٣٩.
(٦) في ب : قوله تعالى.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٤٠.
(٨) انظر التبيان ٢ / ٩٧٩.
(٩) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٣٩ ـ ٤٠.
(١٠) انظر التبيان ٢ / ٩٧٩.
(١١) انظر البغوي ٦ / ١٥٢.
(١٢) [الحجرات : ٣].