وقال الزمخشري : الخصم صفة وصف بها الفوج أو الفريق ، فكأنه قيل : هذان فوجان أو فريقان يختصمان ، وقوله : «هذان» للفظ ، و (اخْتَصَمُوا) للمعنى ، كقوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا)(١) ، ولو قيل : هؤلاء خصمان أو (٢) اختصما جاز أن يراد المؤمنون والكافرون (٣). قال شهاب الدين : إن عنى بقوله : أن (٤) خصما صفة بطريق الاستعمال المجازي فمسلم ، لأن المصدر يكثر الوصف به ، وإن أراد أنه صفة حقيقية فخطأه ظاهر لتصريحهم بأن نحو رجل خصم مثل رجل عدل(٥) ، وقوله : «هذان» للفظ (٦). أي : إنما أشير إليهم إشارة المثنى ، وإن كان في الحقيقة المراد الجمع باعتبار لفظ الفوجين والفريقين ونحوهما. وقوله : كقوله (٧) : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ) إلى آخره فيه نظر ، لأن في تيك الآية تقدم شيء له لفظ ومعنى وهو «من» ، وهنا لم يتقدم شيء له لفظ ومعنى(٨).
وقوله تعالى : (فِي رَبِّهِمْ) أي : في دين ربهم (٩) ، ، فلا بد من حذف مضاف أي جادلوا في دينه وأمره. وقرأ الكسائي في رواية عنه «خصمان» بكسر الخاء (١٠). واحتج من قال أقل الجمع اثنان بقوله (١١) : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا.) وأجيب بأن المعنى جمع كما تقدم (١٢).
فصل (١٣)
اختلفوا في تفسير الخصمين ، فقيل : المراد طائفة المؤمنين وجماعتهم ، وطائفة الكفار وجماعتهم ، وأن كل الكفار يدخلون في ذلك ، قال ابن عاس : رجع أهل الأديان الستة (فِي رَبِّهِمْ) أي في ذاته وصفاته. وقيل : إنّ أهل الكتاب قالوا : نحن أحق بالله ، وأقدم منكم كتابا ، ونبينا قبل نبيكم. وقال المؤمنون : نحن أحق بالله آمنا بمحمد وآمنا بنبيكم وما أنزل الله من كتاب ، وأنتم تعرفون كتابنا ونبينا ثم تكتمونه ، وكفرتم به حسدا ، فهذه خصومتهم فى ربهم. وقيل : هو ما روى قيس بن عباد (١٤) عن أبي ذر الغفاري (١٥)
__________________
(١) [محمد : ١٦].
(٢) في ب : و.
(٣) الكشاف ٣ / ٢٩.
(٤) أن : سقط من ب.
(٥) في ب : عد. وهو تحريف.
(٦) في ب : اللفظ. وهو تحريف.
(٧) في النسختين : كقولهم. والصواب ما أثبته.
(٨) الدر المصون : ٥ / ٦٨.
(٩) انظر الكشاف ٣ / ٢٩ ، والبحر المحيط ٦ / ٣٦٠.
(١٠) المختصر (٩٤) ، البحر المحيط ٦ / ٣٦٠.
(١١) بقوله : سقط من ب.
(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٢.
(١٣) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ٢٢.
(١٤) هو قيس بن عباد ، القيسي الضبعي أبو عبد الله البصري ، مخضرم ، عن عمر وعلي وعمار ، وعنه ابنه عبد الله ، والحسن البصري وابن سيرين. مات سنة ٨٠ ه. خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ٢ / ٣٥٧.
(١٥) هو جندب بن جنادة ، أبو ذر الغفاري ، أحد النجباء ، عنه ابن عباس ، وأنس والأحنف وأبو عثمان ـ