فصل
الآية تدل على أن الأمر للوجوب ، لأن تارك المأمور مخالف للأمر ، ومخالف الأمر يستحق العقاب ، ولا معنى للوجوب إلا ذلك (١).
قوله تعالى : (أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : ملكا وعبيدا ، وهذا تنبيه على كمال قدرته تعالى عليهما ، وعلى ما بينهما وفيهما (٢).
قوله : «قد يعلم ما أنتم عليه». قال الزمخشري (٣) : أدخل «قد» ليؤكد علمه بما هم عليه من المخالفة عن الدين والنفاق ، ويرجع توكيد العلم إلى توكيد الوعيد ، وذلك أن «قد» إذا دخلت على المضارع كانت بمعنى «ربّما» فوافقت «ربما» في خروجها إلى معنى التكثير في نحو قوله :
٣٨٥٨ ـ فإن يمسي مهجور الفناء فربّما |
|
أقام به بعد الوفود وفود (٤) |
ونحو من ذلك قول زهير :
٣٨٥٩ ـ أخي ثقة لا تهلك الخمر ماله |
|
ولكنّه قد يهلك المال نائله (٥) |
قال أبو حيان : وكون «قد» إذا دخلت على المضارع أفادت التكثير قول لبعض النحاة (٦) ، وليس بصحيح ، وإنما التكثير مفهوم من السياق. والصحيح أن ربّ لتقليل
__________________
(١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٤٠.
(٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٤٢ ـ ٤٣.
(٣) الكشاف ٣ / ٨٧.
(٤) البيت من بحر الطويل ، قاله أبو عطاء السّندي ، من أبيات أربعة يرثي بها يزيد بن هبيرة الفزاري. وهو في المقتصد (٨٢٩) ، اللسان (عهد) والبحر المحيط ٦ / ٤٧٧ ، الخزانة ٩ / ٥٣٩ ، وشرح شواهد الكشاف (٣٥).
الفناء : بكسر الفاء والمد : ساحة الدار. الوفود : الزوار وطلاب الحاجات والشاهد فيه أن (ربما) فيه للتكثير.
(٥) البيت من بحر الطويل ، قاله زهير ، والشاهد فيه دخول قد على الفعل المضارع لإفادة التوكيد. وقد تقدم.
(٦) نسبه ابن هشام إلى سيبويه في المغني ١ / ١٧٤ ، مع أن عبارة سيبويه ليست صريحة في ذلك فإنه قال : (وتكون قد بمنزلة ربما. وقال الشاعر الهذلي : قد أترك القرن مصفرّا أنامله كأن أثوابه مجّت بفرصاد كأنه قال : ربما) الكتاب ٤ / ٢٢٤.
وصرح الرضي بإفادتها للتكثير فقال : (وتستعمل أيضا للتكثير في موضع التمدح كما ذكرنا في ربما قال تعالى : (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ) [الأحزاب : ٣٣] ، وقال : قد أترك القرن مصفرا أنامله) شرح الكافية ٢ / ٣٨٨. وفي الخزانة : (قال ابن مالك : إطلاق سيبويه القول بأنها بمنزلة ربما موجب للتسوية بينهما في التقليل والصرف إلى المضي. واعترضه أبو حيان فقال : لم يبين سيبويه الجهة التي فيها قد بمنزلة ربما ، ولا يدل على التسوية في كل الأحكام ، بل يستدلّ بكلام سيبويه على نقيض ما فهمه ابن مالك ، وهو أن قد بمنزلة ربّما في التكثير فقط ، ويدل عليه إنشاء البيت لأن الإنسان لا يفخر بما يقع منه على سبيل الندرة والقلة ، وإنما يفتخر بما يقع منه على سبيل الكثرة ، فيكون قد بمنزلة ربّما في التكثير) ١١ / ٢٥٥.