الخير والبركة ، فالمذكور عقيبه لا بد وأن يكون سببا لكثرة الخير والمنافع ، والإنذار يوجب الغم والخوف ، فكيف يليق ذكره بهذا الموضع؟ فالجواب : أن الإنذار يجري مجرى تأديب الولد (١) ، كما أنه كلما كانت المبالغة في تأديب الولد أكثر (كان الإحسان إليه أكثر ، لما أن ذلك يؤدي في المستقبل إلى المنافع العظيمة ، فكذا ههنا كلما كان الإنذار كثيرا) (٢) كان رجوع الخلق إلى الله أكثر ، وكانت السعادة الأخروية أتم وأكثر ، وهذا كالتنبيه على أنه لا التفات إلى المنافع العاجلة ؛ لأنه تعالى لما وصف نفسه بأنه معطي الخيرات الكثيرة لم يذكر إلا منافع الدين ، ولم يذكر منافع الدنيا البتّة (٣).
قوله : «الّذي له ملك» يجوز في «الّذي» الرفع نعتا للذي الأول (٤) ، أو بيانا (٥) ، أو بدلا(٦) ، أو خبرا لمبتدأ محذوف (٧) ، أو النصب على المدح (٨).
وما بعد بدل من تمام الصلة فليس أجنبيا ، فلا يضر الفصل به بين الموصول الأول والثاني إذا جعلنا الثاني تابعا له (٩).
فصل
(الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) إشارة إلى احتياج هذه المخلوقات إليه سبحانه حال حدوثها ، وأنه سبحانه هو المتصرف فيها كيف يشاء (١٠).
«ولم يتخذ ولدا» أي : هو الفرد أبدا ، ولا يصح أن يكون غيره معبودا ووارثا للملك عنه ، وهذا رد على النصارى (١١). (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) أي : هو المنفرد بالإلهية ، وإذا عرف العبد ذلك انقطع رجاؤه عن كل ما سواه ، ولم يشتغل قلبه إلا برحمته وإحسانه ، وفيه رد على الثنوية ، والقائلين بعبادة النجوم والأوثان (١٢).
قوله : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) الخلق هنا عبارة عن الإحداث والتهيئة لما يصلح له ، لا
__________________
(١) في النسختين الولد. والتصويب من الفخر الرازي.
(٢) ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي.
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٤٥ ـ ٤٦.
(٤) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٨٠.
(٥) وجاز ذلك لأن الموصول الثاني أخص من الموصول الأول.
(٦) انظر الكشاف ٣ / ٨٨ ، التبيان ٢ / ٩٨٠ ، البحر المحيط ٦ / ٤٨٠.
(٧) انظر التبيان ٢ / ٩٨٠.
(٨) انظر الكشاف ٣ / ٨٨ ، التبيان ٢ / ٩٨٠ ، البحر المحيط ٦ / ٤٨٠.
(٩) قال الزمخشري : (فإن قلت : كيف جاز الفصل بين البدل والمبدل منه؟ قلت : ما فصل بينهما بشيء ، لأن المبدل منه صلته «نزل» و «ليكون» تعليلا له ، فكأن المبدل منه لم يتم إلا به) الكشاف ٣ / ٨٨ ، وقال أبو حيان : (وما بعد «نزل» من تمام الصلة ومتعلق به فلا يعد فاصلا بين النعت أو البدل ومتبوعه) البحر المحيط ٦ / ٤٨٠.
(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٤٦.
(١١) المرجع السابق.
(١٢) المرجع السابق.