قوله : «لا يخلقون» صفة ل «آلهة» (١) ، وغلب العقلاء على غيرهم ؛ لأن الكفار كانوا يعبدون العقلاء كعزير والمسيح والملائكة وغيرهم كالكواكب والأصنام. ومعنى «لا يخلقون» لا يقدرون على التقدير ، والخلق يوصف به العباد قال زهير :
٣٨٦٠ ـ ولأنت تفري ما خلقت وبع |
|
ض القوم يخلق ثم لا يفري (٢) |
ويقال : خلقت الأديم : أي : قدرته ، وهذا إذا أريد بالخلق التقدير ، فإن أريد به الإيجاد فلا يوصف به غير الباري ـ تعالى ـ وقد تقدم (٣).
وقيل : بمعنى يختلقون كقوله : (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً)(٤).
فصل
لما وصف نفسه بصفات الجلال والعزة والعلو أردفه بتزييف مذهب عبدة الأوثان من وجوه : منها : أنها ليست خالقة للأشياء ، والإله يجب أن يكون قادرا على الخلق والإيجاد ومنها : أنها مخلوقة ، والمخلوق محتاج ، والإله يجب أن يكون غنيا. ومنها (٥) : أنها لا تملك لأنفسها ضرا ولا نفعا ، ومن كان كذلك لا يملك موتا ولا حياة ولا نشورا. أي : لا يقدر على الإحياء والإماتة لا في زمن التكليف ، ولا في زمن المجازاة ، ومن كان كذلك كيف يسمى إلها ، وكيف يستحق العبادة (٦)؟.
فصل
احتج أهل السنة بقوله : (لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً) على أن فعل العبد مخلوق لله تعالى لأنه عاب هؤلاء الكفار من حيث عبدوا ما لا يخلق شيئا ، وذلك يدل على أن من خلق يستحق أن يعبد ، فلو كان العبد خالقا لكان معبودا إلها. وأجاب الكعبي بأنا لا نطلق (٧) اسم الخالق إلا على الله تعالى ، (وقال بعض أصحابنا في الخلق : إنه الإحداث لا بعلاج وفكر وتعب ولا يكون ذلك إلا لله تعالى.
ثم قال : قد قال الله تعالى) (٨) : (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها) [الأعراف : ١٩] في وصف الأصنام ، أفيدل ذلك على أن كل من له رجل (٩) يستحق أن يعبد. فإذا قالوا : لا. قيل : فكذلك ما ذكرتم ، وقد قال الله تعالى : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [المؤمنون : ١٤] هذا كله كلام الكعبي.
__________________
(١) في ب : لإله.
(٢) البيت من بحر الكامل. قاله زهير بن أبي سلمى. والشاهد فيه قوله : «خلقت» فإنه بمعنى قدرته.
(٣) في سورة المؤمنون.
(٤) من قوله تعالى : «إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً»[العنكبوت : ١٧].
(٥) في ب : منها.
(٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٤٨.
(٧) في ب : بأنه لا يطلق.
(٨) ما بين القوسين سقط من ب.
(٩) في ب : أرجل