قال الكلبي : نزل هذا كله في أبي جهل والكفار الذين ذكروا تلك الشبهات (١).
قوله تعالى : (قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً(١٥) لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً)(١٦)
قوله تعالى : (أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ) الآية. لما وصف العقاب المعد للمكذبين بالساعة أتبعه بما يؤكد الحسرة والندامة فقال : (أَذلِكَ خَيْرٌ).
فإن قيل : كيف يقال : العذاب خير أم جنة الخلد؟ وهل يجوز أن يقول العاقل : السكر أحلى أم الصبر؟ فالجواب : هذا يحسن في معرض التقريع كما إذا أعطى السيد عبده مالا فتمرد وأبى واستكبر فضربه ويقول له : أهذا (٢) خير أم ذلك (٣)؟
فصل
قال أبو مسلم : جنة الخلد : هي التي لا ينقطع نعيمها ، والخلد والخلود سواء (٤) كالشكر والشكور ، قال تعالى : (لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً) [الإنسان : ٩]. فإن قيل : الجنة اسم لدار مخلدة ، فأي فائدة في قوله : (جَنَّةُ الْخُلْدِ)؟ فالجواب : الإضافة قد تكون للتبيين ، وقد تكون لبيان صفات الكمال ، كقوله تعالى : (الْخالِقُ الْبارِئُ)(٥) وهذا من هذا الباب (٦).
فصل
احتج المعتزلة بهذه الآية على إثبات الاستحقاق من وجهين :
الأول : اسم الجزاء لا يتناول إلا المستحق ، فأما الموعود بمحض التفضيل فلا يسمى جزاء.
والثاني : لو كان المراد بالجزاء ما صرتم إليه بمجرد الوعد فلا يبقى بين قوله : «جزاء» وبين قوله: «مصيرا» تفاوت ، فيصير ذلك تكريرا من غير فائدة.
والجواب : أنه لا نزاع في كونه جزاء إنما النزاع في أن كونه جزاء ثبت بالوعد أو بالاستحقاق ، وليس في الآية ما يدل على التعيين (٧).
فإن قيل : إن الجنة ستصير للمتقين جزاء ومصيرا لكنها بعد ما صارت كذلك ، فلم قال الله (كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً)؟
فالجواب من وجهين :
__________________
(١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٥٧.
(٢) في الأصل : هذا.
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٥٧.
(٤) في اللسان (خلد) : خلد يخلد خلدا وخلودا : بقي ودام.
(٥) من قوله تعالى :«هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى» [الحشر : ٢٤].
(٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٥٧ ـ ٥٨.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٥٨.