فصل
ظاهر قوله : (وَما يَعْبُدُونَ) أنها الأصنام ، لأن (ما) لما لا يعقل. وظاهر قوله : (فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ) أنه من عبد من الأحياء كالملائكة والمسيح وعزير وغيرهم ؛ لأن الإضلال وجد بهم فلهذا اختلفوا (١).
فقال مجاهد : أراد الملائكة والجن والمسيح وعزير (٢). وقال عكرمة والضحاك والكلبي : يعني الأصنام (٣). فقيل لهم : كيف يخاطب الله تعالى (٤) الجماد فأجابوا بوجهين :
أحدهما : أنه تعالى (٤) يخلق الحياة فيها ويخاطبها.
والثاني (٥) : أن يكون ذلك بالكلام النفساني لا بالقول اللساني بل بلسان الحال كما ذكر بعضهم في تسبيح الموات ، وكلام الأيدي والأرجل ، وكما (٦) قيل سل (٧) الأرض من شق أنهارك ، وغرس أشجارك؟ فإن لم يحصل جوابا أجابتك اعتبارا (٨).
وقال الأكثرون : المراد الملائكة وعيسى وعزير ـ عليهمالسلام (٩) ـ قالوا : ويتأكد هذا القول بقوله تعالى : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ) [سبأ : ٤٠] فإن قيل : لفظة «ما» لا تستعمل في العقلاء. فالجواب من وجهين :
الأول : لا نسلم أن كلمة «ما» لا تستعمل لمن لا يعقل ؛ لأنهم قالوا : «من» لمن (١٠) لا يعقل في قوله تعالى : (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) [النور : ٤٥].
الثاني : أنه أريد به الوصف كأنه قيل : ومعبودهم.
وقال تعالى : (وَالسَّماءِ وَما بَناها) [الشمس : ٥] ، (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) [الكافرون : ٣] وهذا لا يستقيم إلا على أحد هذين الوجهين (١١).
فصل
قالت المعتزلة : (وفيه كسر بيّن لقول من يقول إن) (١٢) الله يضل عباده في الحقيقة لأنه لو كان الأمر كذلك لكان الجواب الصحيح أن يقول : إلهنا (١٣) ههنا قسم ثالث
__________________
(١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦١.
(٢) انظر البغوي ٦ / ١٦٣.
(٣) المرجع السابق.
(٤) تعالى : سقط من ب.
(٥) في ب : وثالثها. وهو تحريف.
(٦) في ب : كما.
(٧) في ب : الأرض سل.
(٨) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦١.
(٩) في ب : عليهما الصلاة والسلام.
(١٠) لمن : سقط من ب.
(١١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦١.
(١٢) ما بين القوسين في النسختين : هذه الآية تدل على القائلين بأن. والتصويب من الفخر الرازي.
(١٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦١.