وثالثها : قصدوا بالتسبيح تنزيهه عن الأنداد سواء كان المسبح وثنا أو نبيا أو ملكا.
ورابعها : قصدوا تنزيهه أن يكون مقصوده من هذا السؤال استفادة علم أو إبراء من كان بريئا من الجرم ، بل إنما سألهم تقريعا للكفار وتوبيخا لهم (١).
وقولهم : (ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ).
معناه (٢) : إذا كنا (٣) لا نرى أن يتخذ من دونك وليا ، فكيف ندعو غيرنا إلى ذلك ، أي
ما كان لنا أن نأمرهم بعبادتنا ونحن نعبدك. وقيل : ما كان ينبغي لنا أن نكون أمثال الشياطين. وقيل : ما كان لنا أن نتخذ من دون رضاك من أولياء ، أي : إنا علمنا أنك لا ترضى بهذا فما فعلنا ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. وقيل : قالت الملائكة : (إنّا وهم عبيدك ، ولا ينبغي لعبيدك أن يتخذوا من دون إذنك وليا ولا حبيبا فضلا عن أن يتخذ عبدا آخر إلها. وقيل : قالت الأصنام) (٤) : إنا لا يصلح منا أن نكون من العابدين فكيف يمكننا ادعاؤنا من المعبودين (٥).
قوله : (وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ). لمّا تضمّن كلامهم أنّا لم نضلهم ولم نحملهم على الضلال حسن هذا الاستدراك ، وهو أن ذكروا سببه ، أي : أنعمت عليهم وتفضلت فجعلوا ذلك ذريعة إلى ضلالهم عكس القضية. والمعنى متعتهم وآباءهم في الدنيا بطول العمر والصحة والنعمة (٦).
(حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ) تركوا الموعظة والإيمان بالقرآن (٧). وقيل : تركوا ذكرك وغفلوا عنه (٧).
قوله : (وَكانُوا قَوْماً بُوراً) أي : هلكى غلب عليهم الشقاء والخذلان (٧). و «بورا» يجوز فيه وجهان :
أحدهما : أنه جمع بائر كعائذ و (٨) عوذ (٩).
والثاني : أنه مصدر في الأصل كالزور ، فيستوي فيه المفرد والمثنى والمجموع والمذكر والمؤنث ، وهو من البوار وهو الهلاك (١٠).
وقيل من الفساد ، وهي (١١) لغة الأزد ، يقولون : بارت بضاعته أي : فسدت ، وأمرنا بائر ، أي: فاسد (١٢) ، وهذا معنى قولهم : كسدت البضاعة.
وقال الحسن : هو من قولهم : أرض بور ، أي : لا نبات بها (١٣). وهذا يرجع إلى معنى الهلاك والفساد.
__________________
(١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦٢.
(٢) في ب : عبادة. وهو تحريف.
(٣) في النسختين : كان.
(٤) ما بين القوسين مكرر في الأصل.
(٥) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦٣.
(٦) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٨٩.
(٧) انظر البغوي ٦ / ١٦٤.
(٨) و : سقط من ب.
(٩) العوذ : الحديثات النتاج من الظباء والإبل والخيل ، واحدتها عائذ مثل حائل وحول. اللسان (عوذ).
(١٠) ذكر الوجهين الزمخشري. الكشاف ٣ / ٩٢.
(١١) في ب : وهو.
(١٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٨٩.
(١٣) المرجع السابق.