لقاءنا ، فوضع الرجاء موضع الخوف لغة تهاميّة إذا كان معه جحد ، ومنه (١) قوله تعالى : (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً) [نوح : ١٣] أي : لا تخافون لله (٢) عظمة (٣)
قال القاضي : لا وجه لذلك ، لأن الكلام متى أمكن حمله على الحقيقة لم يجز حمله على المجاز ، والمعلوم من حال عبّاد الأصنام أنهم كانوا لا يخافون العقاب ، لتكذيبهم (بالمعاد) (٤) ، فكذلك لا يرجون الثواب لمثل ذلك ، فقوله : (لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) محمول على الحقيقة ، وهو (٥) أنهم لا يرجون لقاء ما وعدنا على الطاعة من الثواب والجنة ، ومعلوم أن من لا يرجو ذلك لا يخاف العقاب أيضا ، فالخوف (٦) تابع (للرجاء (٧)) (٨).
فصل
دلّ ظاهر الآية على جواز الرؤية ، لأن اللقاء جنس تحته أنواع ، أحد أنواعه الرؤية ، والآخر الاتصال والمماسّة. وهما باطلان ، فدلّ على جواز الرؤية ، لأن الرائي يصل برؤيته إلى حقيقة المرئي فسمي الرؤية لقاء (٩). وقالت المعتزلة : تفسير اللقاء برؤية البصر جهل باللغة ، لأنه يقال في الدعاء : لقاك الله الخير. ويقول القائل : لم ألق الأمير. وإن رآه من بعد إذا حجب عنه ، ويقال في الضرير : لقي الأمير إذا أذن له ولم يحجب ، وقد يلقاه في الليلة الظلماء ولا يراه ، بل المراد من اللقاء هنا (١٠) المصير (١١) إلى حكمه حيث لا حكم لغيره في يوم (لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً) [الانفطار : ١٩] لا أنه (١٢) رؤية البصر (١٣). قال ابن الخطيب : وهذا كلام ضعيف ، لأنّ اللفظ الموضوع لمعنى مشترك بين معان كثيرة ينطلق على كل واحد من تلك المعاني ، فيصح قوله : لقاك الخير (١٤) ، ويصح قول الأعمى : لقيت الأمير ، ويصح قول البصير : لقيته (بمعنى رأيته ، وما لقيته) (١٥) بمعنى ما (١٦) وصلت إليه ، وإذا ثبت هذا فنقول : قوله تعالى (١٧) : (وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) مذكور في معرض الذم لهم ، فوجب أن يكون رجاء اللقاء حاصلا ، ومسمى اللقاء مشترك بين الوصول المكاني (١٨) وبين الوصول بالرؤية ، وقد بطل الأول فتعيّن الثاني.
__________________
(١) ومنه : سقط من ب.
(٢) في ب : له.
(٣) معاني القرآن ٢ / ٢٦٥.
(٤) في النسختين : العقاب. والتصويب من الفخر الرازي.
(٥) في ب : وهم.
(٦) في الأصل : فالجواب.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦٧ ـ ٦٨.
(٨) ما بين القوسين في ب : الرجاء.
(٩) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦٨.
(١٠) في ب : ههنا.
(١١) في ب : الوصول.
(١٢) أنه : سقط من ب.
(١٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦٨.
(١٤) في النسختين : لقاك الله الخير. والتصويب من الفخر الرازي.
(١٥) ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي.
(١٦) ما : سقط من ب.
(١٧) تعالى : سقط من ب.
(١٨) في ب : المكان.