وثانيها : أنّ نزول الملائكة لو حصل لكان أيضا من جملة المعجزات ، فلا يدل (١) على الصدق لخصوص كونه نزول الملك بل لعموم كونه معجزا فيكون قبول ذلك المعجز وردّ المعجز الآخر ترجيحا لأحد المثلين على الآخر من غير مزيد فائدة ومرجّح ، وهو محض الاستكبار والتعنت.
وثالثها : أنهم بتقدير أن يروا الرب ، ويسألوه عن صدق محمد ـ عليهالسلام (٢) ـ وهو سبحانه يقول: نعم هو رسولي (٣) ، فذلك (٤) لا يزيد في التصديق على إظهار المعجز على يد محمد ـ عليهالسلام (٥) ـ لأنّا بيّنّا أن المعجزة تقوم مقام التصديق بالقول ، إذ لا فرق وقد ادعى النبوة بين أن يقول : اللهم إن كنت صادقا فأحي هذا الميت ، فيحييه الله تعالى ، (والعادة لم تجر بمثله) (٦) ، وبين أن يقول له : صدقت. وإذا كان التصديق بالقول والتصديق الحاصل بالمعجز (سيّين) (٧) في كونه تصديقا للمدعى ، كان (٨) تعيين أحدهما محض استكبار وتعنت.
ورابعها : يمكن أن يكون المراد أنّ الله تعالى قال : لو علمت أنهم ما ذكروا هذا السؤال لأجل (٩) الاستكبار والعتو الشديد لأعطيتهم مقترحهم ، ولكني علمت أنهم ذكروا هذا الاقتراح لأجل الاستكبار والتعنت ، فلو أعطيتهم مقترحهم لما انتفعوا به ، فلا جرم لا أعطيتهم ذلك.
وخامسها : لعلهم سمعوا من أهل الكتاب أن الله لا يرى ، وأنه تعالى لا ينزل الملائكة في الدنيا على عوام الخلق ، ثم إنهم علقوا إيمانهم على ذلك على سبيل الاستهزاء (١٠).
فصل
استدل المعتزلة بهذه الآية على عدم الرؤية ، لأنّ رؤيته لو كانت جائزة لما كان سؤالها عتوا. قالوا : فقوله : (لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً) ليس إلّا لأجل سؤال الرؤية ، واستعظم في آية أخرى قولهم : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ) [البقرة : ٥٥]. فثبت أن الاستكبار والعتو هاهنا إنما حصل لأجل سؤال الرؤية ، وتقدم الكلام على ذلك في سورة البقرة (١١). ونقول هاهنا : إنّا بينا أن قوله : (وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) يدل (١٢) على الرؤية ، وأمّا الاستكبار والعتو فلا يدل ذلك على أن الرؤية
__________________
(١) في ب : فلا بد.
(٢) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٣) في ب : رسول.
(٤) في ب : فكذلك.
(٥) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٦) ما بين القوسين سقط من ب.
(٧) في النسختين : سببان. والتصويب من الفخر الرازي.
(٨) في ب : وأن.
(٩) في النسختين : إلا لأجل. والتصويب من الفخر الرازي.
(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦٨ ـ ٦٩.
(١١) انظر اللباب ١ / ١٥٤.
(١٢) يدل : سقط من ب.