وابن كثير في رواية عنهما بهذا الأصل «وننزّل» (١) بنونين وتشديد الزاي (٢). وقرأ أبيّ «ونزّلت» بالتشديد مبنيّا للمفعول (٣) ، «وتنزّلت» بزيادة تاء في أوله ، وتاء التأنيث (فيهما (٤)) (٥).
وقرأ (٦) أبو عمرو في طريقة الخفاف عنه «ونزل» بضم النون وكسر الزاي خفيفة مبنيّا للمفعول(٧). قال صاحب اللوامح : فإن صحت هذه القراءة فإنه حذف منها المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، تقديره : ونزل نزول الملائكة ، فحذف النزول ونقل إعرابه إلى «الملائكة» بمعنى : نزل نازل الملائكة ، لأنّ المصدر يجيء بمعنى الاسم ، وهذا مما (٨) يجيء على مذهب سيبويه (٩) ترتيب بناء اللازم للمفعول به ، لأنّ الفعل يدل على مصدره (١٠). قال شهاب الدين : وهذا تمحّل كثير دعت إليه ضرورة الصناعة (١١). وقال (١٢) ابن جني : وهذا غير معروف ، لأنّ (نزل) لا يتعدى إلى مفعول فيبنى هنا للملائكة (١٣) ، ووجهه أن يكون مثل زكم الرّجل وجنّ ، فإنه لا يقال إلا أزكمه ، وأجنّه الله ، وهذا باب سماع لا قياس (١٤). ونظير هذه القراءة ما تقدم في سورة الكهف في قراءة من قرأ «فلا يقوم لهم (١٥) يوم القيامة وزنا» (١٦) بنصب وزن من حيث تعدية القاصر ، وتقدم ما فيها.
فصل
الغمام : هو الأبيض الرقيق مثل الضباب ، ولم يكن إلّا لبني إسرائيل في تيههم (١٧). والألف واللام في «الغمام» ليس للعموم بل للمعهود ، وهو ما ذكره في قوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ)(١٨) [البقرة : ٢١٠] قال ابن عباس : تتشقق
__________________
(١) ما بين القوسين سقط من ب.
(٢) قال ابن خالويه :(«وننزل الملائكة» هارون عن أبي عمرو) المختصر (١٠٤).
(٣) المختصر (١٠٤) ، البحر المحيط ٦ / ٤٩٤.
(٤) البحر المحيط ٦ / ٤٩٤.
(٥) ما بين القوسين في ب : فيها.
(٦) وقرأ : سقط من ب.
(٧) حكاها أبو حيان عن صاحب اللوامح ، البحر المحيط ٦ / ٤٩٤ ، وفي المحتسب قال ابن جني : (وروى عبد الوهاب عن أبي عمرو «ونزل الملائكة» خفيفة) ٢ / ١٢١.
(٨) في ب : ما.
(٩) قال سيبويه : (هذا باب ما يكون من المصادر مفعولا فيرتفع كما ينتصب إذا شغلت الفعل به وينتصب إذا شغلت الفعل بغيره. قال : وإن شئت قلت سير عليه السير ، كما قلت : سير شديد. وإن وصفته كان أقوى وأبين ، كما كان ذلك في قوله : سير عليه ليل طويل ونهار طويل) الكتاب ١ / ٢٣٢.
(١٠) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٩٤.
(١١) الدر المصون ٥ / ١٣٦.
(١٢) في ب : قال.
(١٣) في ب : الملائكة.
(١٤) انظر المحتسب ٢ / ١٢١.
(١٥) في النسختين : له. وهو تحريف.
(١٦) [الكهف : ١٠٥].
(١٧) انظر القرطبي ١٣ / ٢٣ ـ ٢٤. البحر المحيط ٦ / ٤٩٤.
(١٨) [البقرة : ٢١٠]. وانظر الفخر الرازي ٢٤ / ٧٤.