فصل
المعنى : أنّ الملك الذي هو الملك حقا ملك الرحمن يوم القيامة (١).
قال ابن عباس : يريد (٢) أنّ يوم القيامة لا ملك يقضي غيره (٣). ومعنى وصفه بكونه حقا : أنه لا يزول ولا يتغير (٤). فإن قيل : مثل هذا الملك لم يكن (٥) قط إلا للرحمن ، فما الفائدة في قوله : «يومئذ»؟. فالجواب لأنّ في ذلك اليوم لا مالك له سواه لا في الصورة ، ولا في المعنى ، فتخضع له الملوك وتعنو له الوجوه ، وتذل له الجبابرة بخلاف سائر الأيام (٦). (وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً) أي : شديدا ، وهذا الخطاب يدلّ على أنه لا يكون على المؤمنين عسيرا ؛ جاء في الحديث «أنه يهوّن يوم القيامة على المؤمن حتى يكون أخفّ عليه من صلاة مكتوبة صلاها في الدنيا» (٧) قوله : (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ) يوم معمول لمحذوف (٨) ، أو معطوف على (يَوْمَ تَشَقَّقُ). و «يعضّ» مضارع عضّ ، ووزنه فعل بكسر العين بدليل قولهم : عضضت أعضّ. وحكى الكسائي فتحها في الماضي (٩) ، فعلى هذا يقال : أعضّ بالكسر في المضارع. والعضّ هنا كناية عن شدة الندم ، ومثله : حرق نابه ، قال(١٠) :
٣٨٧٣ ـ أبى الضّيم والنّعمان يحرق نابه |
|
عليه فأفضى (١١) والسّيوف معاقله (١٢) |
وهذه الكناية أبلغ من تصريح المكني عنه (١٣).
فصل
(أل) في «الظّالم» تحتمل (١٤) العهد والجنس على خلاف في ذلك (١٥). فالقائلون (١٦) بالعهد اختلفوا على قولين :
الأول : قال ابن عباس : أراد بالظالم : عقبة بن أبي معيط بن أمية بن عبد شمس ، كان لا يقدم من سفر إلا صنع طعاما ، ودعا إليه جيرته وأشراف قومه ، وكان يكثر مجالسة
__________________
(١) انظر البغوي ٦ / ١٧١.
(٢) في ب : ويريد.
(٣) انظر البغوي ٦ / ١٧١.
(٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٧٤ ـ ٧٥.
(٥) في ب : يمكن. وهو تحريف.
(٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٧٥.
(٧) أخرجه الإمام أحمد في مسنده ٣ / ٧٥.
(٨) أي : اذكر. وانظر تفسير ابن عطية ١١ / ٣٢.
(٩) انظر إعراب القرآن للنحاس ٣ / ١٥٨ ، القرطبي ١٣ / ٢٥ ، البحر المحيط ٦ / ٤٩٥.
(١٠) في ب : قوله.
(١١) في ب : فأمضى.
(١٢) البيت من بحر الطويل ، قاله زهير بن أبي سلمى في مدح حصن بن حذيفة بن بدر وقد تقدم.
(١٣) وهذه كناية عن صفة.
(١٤) في الأصل : تحمل.
(١٥) قال الزمخشري : (واللام في «الظالم» يجوز أن تكون للعهد يراد به عقبة خاصة ويجوز أن تكون للجنس ، فيتناول عقبة وغيره) الكشاف ٣ / ٩٥.
(١٦) في ب : والقائلون.