قوله تعالى : (وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (٣٠) وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً)(٣١)
قوله تعالى (١) : (وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ).
قال أكثر المفسرين : إنّ هذا القول وقع مع الرسول. وقال أبو مسلم : بل المراد أنّ الرسول يقوله في الآخرة كقوله : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) [النساء : ٤١]. والأول أولى ، لأنّ قوله : (وَكَذلِكَ (٢) جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ) تسلية للرسول ، ولا يليق ذلك إلا إذا وقع القول منه (٣). و «مهجورا» مفعول ثان ل «اتّخذوا» (٤) ، أو حال. وهو مفعول من الهجر ـ بفتح الهاء ـ وهو التّرك والبعد. أي : جعلوه متروكا بعيدا ، لم يؤمنوا به ، ولم يقبلوه ، وأعرضوا عن استماعه. وقيل : هو من الهجر ـ بالضم ـ أي : مهجورا فيه. ثم حذف الجار (٥) بدليل قوله : (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ) [المؤمنون : ٦٧]. وهجرهم فيه : قولهم فيه (٦) : إنه شعر ، وسحر ، وأساطير الأولين ، وكذب وهجر ، أي : هذيان (٧).
قال عليهالسلام : «من تعلم القرآن وعلق مصحفا ، ولم يتعاهده ، ولم ينظر فيه ، جاء يوم القيامة متعلقا به ، يقول : يا رب العالمين عبدك هذا اتخذني مهجورا اقض بيني وبينه» (٨). وجعل الزمخشري «مهجورا» (٩) هنا مصدرا بمعنى الهجر قال كالمجلود والمعقول (١٠). قال شهاب الدين : وهو غير مقيس ، ضبطه أهل اللغة في أليفاظ فلا يتعدى إلّا بنقل (١١).
قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا) الآية. جعل ذكر ذلك تسلية للرسول ، وأن له أسوة بسائر الرسل ، فليصبر على ما يلقاه من قومه كما صبر أولو العزم من الرسل (١٢). (وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً).
قال المفسرون : الباء زائدة بمعنى كفى ربك (١٣)(هادِياً وَنَصِيراً) منصوبان على
__________________
(١) تعالى : سقط من ب.
(٢) في ب : كذلك.
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٧٧.
(٤) انظر التبيان ٢ / ٩٨٥.
(٥) انظر الكشاف ٣ / ٩٦ ، الفخر الرازي ٢٤ / ٧٧.
(٦) فيه : سقط من ب.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٧٧
(٨) أخرجه ابن حجر في الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف (١٢١) ، الثعلبي من طريق أبي هدية عن أنس ، وأبو هدية كذاب. وأورده ابن عطية في تفسيره ١١ / ٣٥ ـ ٣٦ ، الفخر الرازي ٢٤ / ٧٧ ، القرطبي ١٣ / ٢٧ ـ ٢٨.
(٩) في الأصل : مفعولا.
(١٠) انظر الكشاف ٣ / ٩٦.
(١١) الدر المصون ٥ / ١٣٧.
(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٧٧.
(١٣) هذا هو المشهور ، وقيل : إن الباء معدية دخلت لتضمّن كفى معنى اكتف ، قال ابن هشام : وهو من الحسن بمكان ويصححه قولهم : اتقى الله امرؤ فعل خيرا يثب عليه ، أي : ليتق وليفعل بدليل جزم ـ