المعنى كقول نوح ـ عليهالسلام) (١) ـ (قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً) [نوح : ٥ ـ ٦] فكما أن المقصود من هذا إنزال العذاب فكذا هنا (٢) ، فكيف يليق هذا بمن وصفه الله بالرحمة في قوله (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) [الأنبياء : ١٠٧].
فالجواب : أن نوحا ـ عليهالسلام (٣) ـ لما ذكر ذلك دعا عليهم وأما محمد ـ عليهالسلام (٤) ـ لما ذكر هذا ما دعا عليهم بل انتظر ، فلما قال تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا) (من المجرمين) (٥) كان ذلك كالأمر له بالصبر على ذلك وترك (٦) الدعاء عليهم (فافترقا) (٧)(٨). فإن قيل : قوله : «جعلنا» صيغة تعظيم ، والعظيم إذا ذكر نفسه في معرض التعظيم ، وذكر أنه يعطي ، فلا بد وأن تكون العطية عظيمة كقوله : ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم وقوله : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ)(٩) ، فكيف يليق بهذه الصيغة أن تكون تلك العطية هي العداوة التي (١٠) هي منشأ الضرر في الدين والدنيا؟
فالجواب : خلق العدو (١١) تسبب لازدياد المشقة التي هي موجبة لمزيد الثواب (١٢).
قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً (٣٢) وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (٣٣) الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً)(٣٤)
قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ١٣) عَلَيْهِ الْقُرْآنُ) الآية.
هذه شبهة خامسة (١٤) لمنكري النبوة ؛ فإن أهل مكة قالوا : تزعم أنك رسول من عند الله ، فهلا تأتينا بالقرآن جملة (واحدة) (١٥) ، كما أتي موسى بالتوراة جملة ، وكما أتي عيسى بالإنجيل جملة ، وداود بالزبور (١٦). قال ابن جريج : من أوله إلى آخره في ثنتين أو ثلاث وعشرين سنة (١٧). و «جملة» حال من «القرآن» ؛ إذ هي في معنى مجتمعا (١٨).
قوله : «كذلك» الكاف إما مرفوعة المحل ، أي : الأمر كذلك (١٩) ، و «لنثبّت» علة
__________________
(١) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٢) ما بين القوسين سقط من ب.
(٣) في الأصل : هناك.
(٤) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٥) ما بين القوسين سقط من الأصل.
(٦) في ب : ونزل. وهو تحريف.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٧٧ ـ ٧٨.
(٨) ما بين القوسين في ب : فافترقوا.
(٩) من قوله تعالى : «إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ» [الكوثر : ١].
(١٠) التي : سقط من ب.
(١١) في ب : العبد. وهو تحريف.
(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٧٨.
(١٣) في الأصل : أنزل. وهو تحريف.
(١٤) خامسة : سقط من ب.
(١٥) واحدة : سقط من الأصل.
(١٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٧٨ ـ ٧٩.
(١٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٧٩.
(١٨) انظر التبيان ٢ / ٩٨٥.
(١٩) انظر الكشاف ٣ / ٩٦ ، البحر المحيط ٦ / ٤٩٦.