فصل
لما وصفوه بالإضلال في قولهم : (إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا) بين تعالى أنه سيظهر لهم (١) من المضل ومن الضال (٢) عند مشاهدة العذاب الذي لا مخلص (٣) لهم منه (٤) ، فقال : (وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ (٥) الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً) ، وهذا وعيد شديد على التعامي (٦) والإعراض عن الاستدلال والنظر (٧).
قوله تعالى : (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (٤٣) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً)(٤٤)
قوله تعالى : (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) الآية. (أَرَأَيْتَ) كلمة تصلح للإعلان والسؤال ، وههنا تعجب ممن (٨) هذا وصفه ونعته (٩).
وقوله : (مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) مفعولا الاتخاذ من غير تقديم (١٠) ولا تأخير ، لاستوائهما في التعريف (١١). وقال الزمخشري : فإن قلت : لم أخر «هواه» والأصل قولك : اتخذ الهوى إلها. قلت(١٢): ما (١٣) هو إلا تقديم المفعول الثاني على الأول للعناية (به) (١٤) كما تقول : علمت منطلقا زيدا لفضل عنايتك بالمنطلق (١٥).
قال أبو حيان : وادعاء القلب ، يعني : أن التقديم ليس بجيد ، لأنه من ضرائر الأشعار (١٦). قال شهاب الدين : قد تقدم فيه ثلاثة مذاهب (١٧) ، على أن هذا ليس من
__________________
(١) لهم : سقط من ب.
(٢) في ب : الضلال. وهو تحريف.
(٣) في ب : لا يختص. وهو تحريف.
(٤) في ب : له عنه. وهو تحريف.
(٥) في ب : نزول. وهو تحريف.
(٦) في النسختين : العامي. والتصويب من الفخر الرازي.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٨٦.
(٨) في ب : من.
(٩) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٨٦ ، البحر المحيط ٦ / ١٠٥.
(١٠) في ب : تقدم.
(١١) انظر البحر المحيط ٦ / ١٠٥.
(١٢) قلت : سقط من ب.
(١٣) في ب : بما.
(١٤) به : ليس في الكشاف.
(١٥) الكشاف ٣ / ٩٨.
(١٦) عبارة أبي حيان في البحر المحيط : (وادعاء القلب ليس بجيد إذ يقدره من اتخذ هواه إلهه ، والبيت من ضرائر الشعر ونادر الكلام فينزه كلام الله عنه ، كان الرجل يعبد الصنم فإذا رأى أحسن منه رماه وأخذ الأحسن) ٦ / ٥٠١. فنرى أبا حيان لم يذكر البيت الذي أشار إليه ولا أشار إلى من ذكر هذا البيت ، وقوله : وادعاء القلب. تعريض بالزمخشري ولم يصرح باسمه هنا ، ولم يذكر الزمخشري هنا شيئا من الشعر شاهدا على ما ذكره من التقديم والتأخير.
(١٧) في سورة الأعراف عند قوله تعالى : «حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ» من الآية (١٠٥).
وللناس فيه ثلاثة مذاهب : الجواز مطلقا ، والمنع مطلقا ، والتفصيل بين أن يفيد معنى بديعا فيجوز أو لا فيمتنع. انظر اللباب ٤ / ٧٨ ـ ٧٩.