وقال بعضهم) (١) : «صرّفناه» أي : أجريناه في الأنهار حتى انتفعوا بالشرب وبالزراعات (٢) وأنواع المعاش به. وقال آخرون : معناه : أنه تعالى ينزله في مكان (دون مكان) (٣) في عام ثم في العام الثاني يقع بخلاف ما وقع في العام الأول ، قال ابن عباس : ما عام بأكثر من عام ، ولكن الله يصرفه في الأرض. ثم قرأ هذه الآية.
وروى ابن مسعود عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أنه قال : «ما من عام بأمطر من عام ولكن إذا عمل قوم بالمعاصي حول الله ذلك إلى غيرهم فإذا عصوا جميعا صرف الله ذلك إلى الفيافي».
الثاني : قال أبو مسلم : الضمير راجع إلى المطر والسحاب والإظلال وسائر ما ذكره الله من الأدلة.
الثالث : أي (٤) هذا القول صرفناه بين الناس في القرآن وفي سائر الكتب والصحف التي أنزلت على الرسل ، وهو ذكر إنشاء (٥) السحاب ، وإنزال المطر ليتفكروا ويستدلوا به على الصانع (٦).
وقرأ عكرمة : «صرفناه» بتخفيف (٧) الراء (٨). وقيل : التصريف راجع إلى الريح.
«ليذكروا» ويتفكروا في قدرة الله تعالى (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) جحودا ، وكفرانهم هو أنهم إذا أمطروا قالوا : أمطرنا بنوء كذا ، روى زيد بن خالد الجهني (٩) قال : صلى لنا رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ صلاة الصبح بالحديبية في إثر سماء كانت من الليل ، فلما انصرف أقبل على الناس فقال : «هل تدرون ما قال ربكم» قالوا : الله ورسوله أعلم «قال : أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذاك مؤمن بي وكافر بالكواكب ، وأما من قال : مطرنا بنوء كذا وكذا فذاك كافر بي مؤمن بالكواكب» (١٠).
فصل
قال الجبائي : قوله : «ليذّكّروا» يدل على أنه تعالى يريد من الكل أن يذكروا ويشكروا ، ولو أراد أن يكفروا أو يعرضوا لما صح ذلك ، وذلك يبطل قول من قال : إن
__________________
(١) ما بين القوسين سقط من الأصل.
(٢) في ب : وبالزراعات وغير ذلك.
(٣) دون مكان : سقط من ب.
(٤) في ب : أن.
(٥) في ب : إفشاء.
(٦) قال ابن الخطيب : والوجه الأول أقرب ، لأنه أقرب المذكورات إلى الضمير. انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٩٨ ـ ٩٩.
(٧) في ب : بتضعيف. وهو تحريف.
(٨) انظر تفسير ابن عطية ١١ / ٥٠ ، البحر المحيط ٦ / ٥٠٦.
(٩) زيد بن خالد الجهني أبو عبد الرحمن ، ويقال : أبو طلحة المدني ، روى عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وعن عثمان ، وأبي طلحة ، وعائشة ، وعنه ابناه خالد وأبو حرب ومولاه أبو عمرة وغيرهم ، مات سنة ٧٨ ه. تهذيب التهذيب ٣ / ٤١٠ ـ ٤١١.
(١٠) أخرجه أبو داود (طب) ٤ / ٢٢٧ ـ ٢٢٨ ، ومالك في الموطأ (استسقاء) ١ / ١٩٢.