وقوله : (إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) استثناء منقطع معناه : لكن من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا بإنفاق ماله في سبيله فعل ذلك (١).
والمعنى : لا أسألكم لنفسي أجرا ، ولكن لا أمنع من إنفاق المال في طلب مرضاة الله واتخاذ السبيل إلى جنته (٢).
قوله (٣) : (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ) الآية (٤). لما تبين أن الكفار يتظاهرون على إيذائه ، وأمره أن لا يطلب منهم أجرا ، أمره بأن يتوكل عليه في دفع جميع المضار ، وفي جلب جميع المنافع ، وإنما قال : (عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ) ، لأن من توكل على الحي الذي يموت (٥) فإذا مات المتوكّل عليه صار المتوكّل ضائعا ، وأما الله تعالى فهو حي لا يموت فلا يضيع المتوكّل عليه (٦).
(وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ) قيل : المراد بالتسبيح الصلاة. وقيل : قل (٧) سبحان الله والحمد لله (٨). «وكفى به بذنوب عباده بصيرا» عالما ، وهذه كلها يراد بها المبالغة ، يقال كفى بالعلم جمالا ، وكفى بالأدب مالا وهو بمعنى حسبك ، أي لا يحتاج معه إلى غيره ، لأنه خبير بأحوالهم قادر على مكافأتهم وهذا وعيد شديد (٩).
قوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً (٥٩) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ نُفُوراً)(٦٠)
قوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) الآية. لما أمر الرسول بأن يتوكل عليه وصف نفسه بأمور منها : أنه حي لا يموت ، وأنه عالم بجميع المعلمات بقوله (١٠)(وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً)(١١) ومنها أنه قادر على كل الممكنات ، وهو قوله : (الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) وهذا متصل بقوله : (الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ)(١١) لأنه سبحانه لما كان خالقا للسموات والأرض ولكل ما بينهما ثبت أنه القادر على جميع المنافع ودفع المضار ، وأن النعم كلها من جهته فحينئذ لا يجوز التوكل إلا عليه (١٢). و (الَّذِي خَلَقَ) يجوز أن يكون مبتدأ ، و «الرّحمن» خبره (١٣) ، وأن يكون خبر مبتدأ مقدر ، أي : هو الذي
__________________
(١) المرجع السابق.
(٢) انظر البغوي ٦ / ١٨٧ ـ ١٨٨.
(٣) في ب : قوله تعالى.
(٤) الآية : سقط من الأصل.
(٥) في ب : لا يموت.
(٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٣.
(٧) في ب : بل.
(٨) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٣.
(٩) المرجع السابق.
(١٠) في ب : فهو له. وهو تحريف.
(١١) من الآية السابقة.
(١١) من الآية السابقة.
(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٣.
(١٣) انظر الكشاف ٣ / ١٠٢ ، البيان ٢ / ٢٠٧ ، التبيان ٢ / ٩٨٩ ، البحر المحيط ٦ / ٥٠٨.