قوله : (أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا) قرأ الأخوان بياء الغيبة (١) ، يعنون محمدا كأن بعضهم قال لبعض : أنسجد لما يأمرنا محمد أو يأمرنا المسمى بالرحمن ولا نعرف ما هو (٢). والباقون بالخطاب (٣) ، يعني لما تأمرنا أنت يا محمد.
و «ما» يجوز أن يكون بمعنى (الذي) (٤) ، والعائد محذوف لأنه متصل ؛ لأن (أمر) يتعدى إلى الثاني بإسقاط الحرف ، ولا حاجة إلى التدرج (٥) الذي ذكره أبو البقاء وهو أن الأصل : لما تأمرنا بالسجود له ، ثم بسجوده ، ثم تأمرناه ، ثم تأمرنا ، كذا قدره ، ثم قال : هذا على مذهب أبي الحسن وأما على مذهب سيبويه فحذف ذلك من غير تدريج (٦). قال شهاب الدين : وهذا ليس مذهب سيبويه (٧). ويجوز أن تكون موصوفة (٨) ، والكلام (٩) في عائدها موصوفة كهي موصولة ويجوز أن تكون مصدرية (١٠) ، وتكون اللام للعلة ، أي : أنسجد من أجل أمرك وعلى هذا يكون المسجود (١١) له محذوفا (١٢) ، أي : أنسجد للرحمن لما تأمرنا ، وعلى هذا لا تكون «ما» واقعة على العالم ، وفي الوجهين الأوليين يحتمل ذلك وهو المتبادر للفهم.
قوله : (وَزادَهُمْ نُفُوراً) قول القائل لهم اسجدوا للرحمن. نفورا عن الدين والإيمان. ومن حقه أن يكون باعثا على الفعل والقبول ، قال الضحاك : سجد الرسول (١٣) وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعثمان بن مظعون وعمرو بن عنبسة ، ولما رآهم المشركون يسجدون تباعدوا في ناحية المسجد مستهزئين من هذا ، وهو المراد من قوله (وَزادَهُمْ نُفُوراً) أي : فزادهم سجودهم نفورا (١٤).
قوله تعالى : (تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً (٦١) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً)(٦٢)
قوله تعالى : (تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً) الآية.
لما حكى مزيد نفور الكفار عن السجود ، وذكر ما لو تفكروا فيه لعرفوا وجوب السجود والعبادة للرحمن فقال (١٥) : (تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً) تقدم القول في
__________________
(١) السبعة (٤٦٦) ، الكشف ٢ / ١٤٦ ، النشر ٢ / ٣٣٤ ، الإتحاف (٣٢٩).
(٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٦.
(٣) السبعة (٤٦٦) ، الكشف ٢ / ١٤٦ ، النشر ٢ / ٣٣٤ ، الإتحاف (٣٢٩).
(٤) انظر البيان ٢ / ٢٠٧ ، التبيان ٢ / ٩٨٩.
(٥) في ب : التدريج.
(٦) التبيان ٢ / ٩٨٩ ـ ٩٩٠.
(٧) الدر المصون ٥ / ١٤٣.
(٨) انظر التبيان ٢ / ٩٨٩.
(٩) في ب : بالكلام.
(١٠) انظر البيان ٢ / ٢٠٧ ، التبيان ٢ / ٩٩٠.
(١١) في ب : السجود. وهو تحريف.
(١٢) في ب : محذوف. وهو تحريف.
(١٣) في الأصل : رسول.
(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٦.
(١٥) في ب : فقال تعالى.