وعن سعيد بن جبير وحبيب بن أبي ثابت (١) : هو احتكار الطعام بمكة (٢). وعن عطاء هو قول الرجل في المبايعة : لا والله وبلى والله (٣). وعن عبد الله بن عمر : أنه كان له فسطاطان (٤) أحدهما في الحل والآخر في الحرم ، فإذا أراد أن يعاتب أهله عاتبهم في الحل ، فقيل (٥) له في ذلك فقال : كنا نحدث أن من الإلحاد فيه أن يقول الرجل كلا والله ، وبلى والله (٦).
وعن عطاء : هو دخول الحرم غير محرم وارتكاب شيء من محظورات الإحرام من قتل صيد أو قطع شجر (٧). ولما كان الإلحاد بمعنى الميل من أمر إلى أمر بيّن تعالى أن المراد بهذا الإلحاد ما يكون ميلا إلى الظلم فلهذا قرن الظلم بالإلحاد ؛ لأنه لا معصية كبرت أم صغرت إلا وهو ظلم ، ولذلك قال تعالى (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)(٨).
وقوله : (نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) بيان للوعيد.
قوله تعالى : (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (٢٦) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (٢٧) لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ (٢٨) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)(٢٩)
قوله تعالى : (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ) الآية. أي ؛ اذكر حين ، واللام في «لإبراهيم» ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها للعلة ، ويكون مفعول «بوّأنا» محذوفا ، أي : بوأنا الناس لأجل (٩) إبراهيم مكان البيت (١٠) ، و «بوّأ» جاء متعديا صريحا قال تعالى : (وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي
__________________
(١) هو حبيب بن أبي ثابت الكاهلي مولاهم أبو يحيى الكوفى أخذ عن زيد بن أرقم وابن عباس وابن عمر وخلق من الصحابة والتابعين وأخذ عنه مسعر والثوري وشعبة وغيرهم. مات سنة ١٢٢ ه. خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ١ / ١٩١.
(٢) انظر البغوي ٥ / ٥٧٢ الدر المنثور ٤ / ٣٥١.
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٦.
(٤) في ب : فسطاطا.
(٥) في ب : فقتل. وهو تحريف.
(٦) انظر البغوي ٥ / ٥٧٢. الفخر الرازي ٢٣ / ٢٦ ، الدر المنثور ٤ / ٣٥٢.
(٧) انظر البغوي ٥ / ٥٧١ ـ ٥٧٢.
(٨) من قوله تعالى : «وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ» [لقمان : ١٣].
(٩) أجل : سقط من ب.
(١٠) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٢٦١ ، البحر المحيط ٦ / ٣٦٣.