قوله : (فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ). أي : فإن تعظيمها (١) من أفعال ذوي تقوى القلوب ، فحذفت هذه المضافات ، ولا يستقيم المعنى إلا بتقديرها ، لأنه لا بد من راجع من الجزاء إلى (من) ليرتبط به (٢) ، وإنما ذكرت القلوب (٣) ، لأن المنافق قد يظهر التقوى من نفسه وقلبه خال عنها ، فلهذا لا يكون مجدّا في الطاعات ، وأما المخلص الذي تمكنت التقوى من قلبه فإنه يبالغ في أداء الطاعات على سبيل الإخلاص (٤).
واعلم أن الضمير في قوله : (فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) فيه وجهان :
أحدهما : أنه ضمير الشعائر على حذف مضافه ، أي : فإن تعظيمها من تقوى القلوب.
والثاني : أنه ضمير المصدر المفهوم من الفعل قبله (٥) ، أي : فإن التعظيم من تقوى القلوب والعائد على اسم الشرط من هذه الجملة الجزائية مقدر تقديره : فإنها من تقوى القلوب منهم. ومن جوّز إقامة (أل) (٦) مقام الضمير ـ وهم الكوفيون ـ ، أجاز ذلك هنا ، والتقدير : من تقوى قلوبهم (٧) كقوله : (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى)(٨). والعامة على خفض «القلوب» ، وقرىء برفعها ، فاعلة للمصدر قبلها وهو «تقوى» (٩).
قوله تعالى : (لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٣٣) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (٣٤) الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ)(٣٥)
قوله : (لَكُمْ فِيها مَنافِعُ) أي : في الشعائر بمعنى الشرائع ، أي : لكم في التمسك
__________________
(١) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ٣٣ ـ ٣٤.
(٢) في الأصل بعد قوله : ليرتبط به : إلى من. وفي ب : قال الزمخشري. قال أبو حيان : وما قدره عامر من راجع من الضمير من الجزاء إلى (من) ، ألا ترى أن قوله : فإن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب. ليس في شيء منه ضمير يرجع من الجزاء إلى (من) يربطه ، وإصلاحه أن يقول : فإن تعظيمها منه ، فالضمير في منه عائد على (من). البحر المحيط ٦ / ٣٦٨.
(٣) في ب : المقلوب. وهو تحريف.
(٤) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ٣٣ ـ ٣٤.
(٥) في الأصل : قلبه. وهو تحريف.
(٦) في الأصل : إلى. وهو تحريف.
(٧) مذهب الكوفيين وجماعة من البصريين إقامة (ال) مقام الضمير ، وجعلوا منه قوله تعالى : «وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى» [النازعات : ٤١ ، ٤٢) الأصل : مأواه ، ومنع ذلك بعض البصريين ، وقالوا : التقدير : هي المأوى له. انظر التبيان ٢ / ٩٤١ ، المغني ٢ / ٥٠١ ـ ٥٠٢ ، الأشموني ١ / ١٩٥ ـ ١٩٦.
(٨) [النازعات : ٤١].
(٩) تفسير ابن عطية ١٠ / ٢٧٦ ، البحر المحيط ٦ / ٣٦٨.