فصل (١)
قوله (٢) : (نادى رَبُّكَ مُوسى) حين رأى الشجرة والنار (أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) أي : الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعصية ، فحكم عليهم بالظلم من وجهين :
الأول : ظلموا أنفسهم بكفرهم.
والثاني : ظلمهم بني إسرائيل (٣) باستعبادهم وسومهم سوء العذاب (٤). (قَوْمَ فِرْعَوْنَ) عطف (قَوْمَ فِرْعَوْنَ) على (الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) فهما يدلان لفظا على معنى واحد (٥). (أَلا يَتَّقُونَ) أي : يصرفون عن أنفسهم عقوبة الله بطاعته. ومن قرأ «تتّقون» بالخطاب (٦) فعلى الالتفات إليهم وصرف (٧) وجوههم بالإنكار والغضب عليهم ، كمن يشكو من جناية والجاني حاضر ، فإذا اندفع في الشكاية ، وحمي غضبه قطع بأنه يخاطب صاحبه ، وأقبل على الجاني يوبخه ويعنفه ويقول له : ألم تتق الله؟ ألم تستحي من الناس؟ فإن قيل : فما الفائدة في هذا الالتفات والخطاب مع موسى ـ عليهالسلام (٨) ـ في وقت المناجاة ، والملتفت إليهم غائبون لا يشعرون؟. قلنا: أجري ذلك في تكليم المرسل (٩) إليهم معنى إجرائه بحضرتهم وإلقائه إلى مسامعهم ، لأنه مبلغهم (١٠) ، وله فيه لطف وحث على زيادة التقوى ، وكم من آية نزلت في الكافرين وفيها أوفر نصيب للمؤمنين تدبرا بها ، واعتبارا بمواردها (١١).
قوله تعالى : (قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (١٢) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ (١٣) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (١٤) قالَ كَلاَّ فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (١٥) فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ)(١٧)
قوله تعالى : (قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) لما أمر موسى ـ عليهالسلام (١٢) ـ بالذهاب إلى قوم فرعون طلب موسى ـ عليهالسلام ـ أن يبعث معه هارون ـ عليهالسلام ـ ثم ذكر (١٣) الأمور الداعية إلى ذلك السؤال (١٤). فقوله : (أَنْ يُكَذِّبُونِ) مفعول «أخاف» أي : أخاف تكذيبهم إياي.
__________________
(١) فصل : سقط من ب.
(٢) قوله : سقط من الأصل.
(٣) إسرائيل : سقط من ب.
(٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٢١.
(٥) المرجع السابق.
(٦) وهي قراءة عبد الله بن مسلم بن يسار ، وحماد ، وشقيق بن سلمة.
(٧) في النسختين : وضرب. والتصويب عن الفخر الرازي.
(٨) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٩) في النسختين : الرسل. والتصويب من الفخر الرازي.
(١٠) في النسختين : مبلغه. والتصويب من الفخر الرازي.
(١١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٢٢.
(١٢) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٣) في ب : أمر. وهو تحريف.
(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٢٢.