اعتقاد تحسيني بفعله ابتداء من غير أن يكون له موجب ، فثبت بهذا أن العلوم بأسرها ضرورية ، وثبت أن مبادىء الأفعال هي العلوم ، وأفعال العباد بأسرها ضرورية فالإنسان مضطر في صورة مختار ، فثبت أن الله تعالى هو الذي (زين لكل عامل عمله ، والمراد من التزيين هو الذي) (١) يخلق في قلبه العلم بما فيه من (المنافع واللذات ، ولا يخلق في قلبه العلم بما فيه من) (٢) المضار والآفات ، فثبت بهذه الدلائل (٣) العقلية القاطعة وجوب (٤) إجراء هذه الآية على ظاهرها. وأما المعتزلة فتأولوها بوجوه :
أحدها : أن المراد بينا لهم أمر الدين ، وما يلزمهم أن يتمسكوا به ، وزيناه بأن بينا حسنه وما لهم فيه من الثواب ، لأن التزيين من الله للعمل (٥) ليس إلا وصفه بأنه حسن واجب وحميد العاقبة ، وهو المراد من قوله (٦) : (حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) [الحجرات : ٧].
وقوله : (فَهُمْ يَعْمَهُونَ) يدل على ذلك ، إذ المراد : فهم يعدلون ويتخيرون عما زينا من أعمالهم.
وثانيها : أنه تعالى لما متعهم بطول العمر وسعة الرزق ، جعلوا إنعام الله عليهم بذلك ذريعة إلى اتباع شهواتهم ، وعدم الانقياد لما يلزمهم من التكاليف ، فكأنه (٧) تعالى زين بذلك أعمالهم ، ولذلك أشارت الملائكة عليهمالسلام بقولهم : (وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ)(٨) [الفرقان : ١٨] (وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا)(٩) [الفرقان : ١٨] (الذِّكْرَ) [الفرقان : ١٨].
وثالثها : أن إمهاله الشيطان وتخليته حتى يزين لهم ملابسة ظاهرة للتزيين ، فأسند إليه.
والجواب عن الأول : أن قوله تعالى : (زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ) صيغة عموم ، فوجب أن يكون الله تعالى قد زين لهم كل أعمالهم حسنا أو قبيحا (١٠).
وعن الثاني : أن الله تعالى لما متعهم بطول العمر وسعة الرزق فهل لهذه الأمور في ترجيح فاعلية المعصية على تركها أثر ، وليس لها أثر ، وليس لها أثر فيه ، فإن كان الأول ، فقد دللنا على أن التحصيل متى حصل فلا بد أن ينتهي إلى حد الوجوب والاستلزام ، وحينئذ يحصل الغرض ـ وإن لم يكن له فيه أثر ـ صارت (١١) هذه الأشياء بالنسبة إلى أعمالهم كصرير الباب ونعيق الغراب ، بالنسبة إلى أعمالهم ، وذلك يمنع من إسناد فعلهم
__________________
(١) ما بين القوسين سقط من ب.
(٢) ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي.
(٣) في ب : العلوم.
(٤) وجوب : سقط من ب.
(٥) في ب : الفعل.
(٦) في النسختين : وحبب.
(٧) في ب : فكأن الله.
(٨) في النسختين : بل متعت هؤلاء.
(٩) في ب : نسبوا. وهو تحريف.
(١٠) في ب : حسنا كان العمل أو قبيحا.
(١١) في ب : فصارت.