فصل
المعنى لتؤتاه (١) وتلقنه من عند أي حكيم وأي عليم ، وهذا معنى مجيئهما منكرتين ، وهذه الآية تمهيد لما يريد أن يسوق بعدها من القصص كأنه قال على أثر ذلك : خذ من آثار حكمته وعلمه قصة موسى ، فإن قيل : الحكمة إما أن تكون نفس العلم ، وإما أن يكون العلم داخلا فيها ، فبعد ذكر الحكمة لم ذكر العلم؟
فالجواب : أن الحكمة هي العلم بالأمور العملية (٢) فقط ، والعلم أعم منه ؛ لأن (٣) العلم قد يكون عمليا وقد يكون نظريا ، والعلوم النظرية أشرف من العلوم العملية (٤) ، فذكر الحكمة على العموم ثم ذكر العليم وهو البالغ (٥) في كمال العلم ، وكمال العلم من جهات ثلاثة (٦) : وحدتها ، وعموم تعلقها بكل المعلومات ، وبقاؤها مصونة عن كل التغيرات وما حصلت هذه الكمالات الثلاثة إلا في علمه (سبحانه (٧)) (٨).
قوله تعالى : (إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ ...) الآيات ، يجوز أن يكون «إذ» منصوبا بإضمار اذكر (٩) ، أو (يعلم) مقدر مدلولا عليه ب «عليم» (١٠) ، (أو ب «عليم» (١١)) (١٢) وفيه ضعف لتقيد الصفة بهذا الظرف (١٣).
فصل (١٤)
(إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ) في مسيره من مدين إلى مصر (١٥) ، قيل : إنه لم يكن مع موسى ـ عليهالسلام (١٦) ـ غير امرأته ابنة شعيب ـ عليهالسلام (١٧) ـ ، وقد كنى الله عنها بالأهل ، فتبع (١٨) ذلك ورود الخطاب بلفظ الجمع (١٩) ، وهو قوله : (امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ)(٢٠) : أبصرت نارا ، وذلك أنهما كانا يسيران ليلا وقد اشتبه الطريق عليهما ، والوقت وقت برد ، وفي (٢١) مثل هذا الحال تقوى النفس بمشاهدة نار لما يرجى فيها من
__________________
(١) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٤ / ١٨٠ ـ ١٨١.
(٢) في ب : العلمية. وهو تحريف.
(٣) لأن : مكرر في ب.
(٤) في ب : العلمية. وهو تحريف.
(٥) في ب : المبالغ. وهو تحريف.
(٦) في ب : ثلاث.
(٧) في ب : ثلاث.
(٨) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٤ / ١٨٠ ـ ١٨١.
(٩) ما بين القوسين في ب : تعالى.
(١٠) انظر الكشاف ٣ / ١٣٣ ، التبيان ٢ / ١٠٠٣.
(١١) بعليم : سقط من ب.
(١٢) انظر الكشاف ٣ / ١٣٣.
(١٣) ما بين القوسين سقط من الأصل.
(١٤) انظر البحر المحيط ٧ / ٥٤.
(١٥) في ب : قوله.
(١٦) انظر البغوي ٦ / ٢٥٩ ـ ٢٦٠.
(١٧) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٨) في النسختين : فيمنع. والتصويب من الكشاف والفخر الرازي.
(١٩) في ب : ورود الخطاب بالجمع.
(٢٠) انظر الكشاف ٣ / ١٣٣ ـ ١٣٤ ، الفخر الرازي ٢٤ / ١٨١.
(٢١) في ب : وقت برموني.