قوله تعالى : (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ (٢٠) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢١) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (٢٢) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ (٢٣) وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (٢٤) أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ)(٢٥)
قوله تعالى : (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ) الآية (تَفَقَّدَ الطَّيْرَ) : طلبها وبحث عنها ، والتفقد طلب ما فقد ، والمعنى طلب ما فقد من الطير ، واختلفوا فيما تفقده من أجله ، فقيل : لأنه أخل بالنوبة التي كان ينوبها (١) ، وقيل : لأن هندسة الماء كانت لديه ، وكان يرى الماء تحت الأرض كما يرى في الزجاجة وكان يعرف قربه وبعده في عمق الأرض (٢). قال سعيد بن جبير : لما ذكر ابن عباس هذا قال له نافع بن الأزرق : يا وصاف ، انظر ما يقول : إن الصبي منا يضع الفخ ويحثو عليه التراب ، فيجيء الهدهد ولا يبصر الفخ ، حتى يقع في عنقه ، فقال له ابن عباس : ويحك إذا نزل القضاء والقدر ذهب اللب وعمي البصر (٣) ، وهذا القول فيه نظر ، لأن الجن أعرف بالأرض من الهدهد ، فإنهم سكانها ، وقيل : لأنه كان يظله من الشمس (٤).
قوله : (ما لِيَ (٥) لا أَرَى الْهُدْهُدَ) ، هذا استفهام توقيف (٦) ولا حاجة إلى ادعاء القلب وأن الأصل : ما للهدهد لا أراه (٧)؟ إذ المعنى قوي دونه ، والهدهد معروف ، وتصغيره على هديهد ، وهو القياس ، وزعم بعض النحويين أنه تقلب ياء تصغيره ألفا ، فيقال : هداهد ، وأنشد :
٣٩٤٥ ـ كهداهد كسر الرّماة جناحه |
|
يدعو بقارعة الطّريق هديلا (٨) |
كما قالوا : دوابّة وشوابّة ، في : دويبة وشويبة ، ورده بعضهم بأن الهداهد الحمام الكثير ترجيع الصوت (٩). تزعم العرب أن جارحا في زمن الطوفان اختطف فرخ حمامة
__________________
(١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٨٩.
(٢) انظر البغوي ٦ / ٢٦٩.
(٣) المرجع السابق.
(٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٨٩.
(٥) لي : سقط من ب.
(٦) يريد استفهاما حقيقيّا يقصد منه السؤال عما يسأل عنه.
(٧) انظر القرطبي ١٣ / ١٧٩.
(٨) البيت من بحر الكامل ، قاله النميري ، وهو في الخصائص ٢ / ٩٥ ، المفضليات (٤٥٧) المقرب (٤٣٦) ، جمهرة القرشي (١٧٥) ، اللسان (هدد ، هدل) ، البحر المحيط ٧ / ٥١. الهديل فالمراد به هنا صوت الهدهد. والشاهد فيه أن (هداهد) تصغير (هدهد) بقلب ياء التصغير ألفا.
(٩) انظر المقرب (٤٣٦ ـ ٤٣٧) ، اللسان (هدد).