تسمى الهديل ، قالوا : فكل حمامة تبكي فإنما تبكي على الهديل (١).
قوله : (أَمْ كانَ) ، هذه «أم» المنقطعة ، وتقدم الكلام فيها ، وقال ابن عطية : قوله : (ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ) مقصد الكلام : الهدهد غاب ، ولكنه أخذ اللازم عن مغيبه وهو أن لا يراه ، فاستفهم على جهة التوقيف (٢) عن اللازم ، وهذا ضرب من الإيجاز ، والاستفهام الذي في قوله (ما لِيَ) ناب مناب الألف التي تحتاجها «أم» (٣) ، قال أبو حيان : فظاهر كلامه أن «أم» متصلة ، وأن الاستفهام الذي في قوله : (ما لِيَ) ناب مناب ألف الاستفهام ، فمعناه : أغاب عني الآن فلم أره حال التفقد أم كان ممن غاب قبل ، ولم أشعر بغيبته؟ (٤).
قال شهاب الدين : ولا يظن بأبي محمد (٥) ذلك ، فإنه لا يجهل أن شرط المتصلة تقدم همزة الاستفهام أو التسوية لا مطلق الاستفهام (٦).
قوله : «عذابا» ، أي تعذيبا ، فهو اسم مصدر أو مصدر على حذف الزوائد ك (أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) [نوح : ١٧] ، وقد كتبوا : (أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ) بزيادة ألف بين لام ألف والذال ، ولا يجوز أن تقرأ بها ، وهذا كما تقدم أنهم كتبوا : (وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ) [التوبة : ٤٧] بزيادة ألف بين لام ألف والواو (٧).
قوله : (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي) ، قرأ ابن كثير بنون التوكيد المشددة بعدها نون الوقاية ، وهذا هو الأصل ، واتبع مع ذلك رسم مصحفه ، والباقون بنون مشددة فقط (٨) ، والأظهر أنها نون التوكيد الشديدة ، توصّل بكسرها لياء المتكلم ، وقيل : بل هي نون التوكيد الخفيفة أدغمت في نون الوقاية ، وليس بشيء لمخالفة الفعلين قبله ، وعيسى بن عمر بنون مشددة مفتوحة لم يصلها بالياء (٩).
فصل
قال المفسرون : معنى الآية : ما للهدهد لا أراه ، تقول العرب : ما لي أراك كئيبا؟ فقال : ما لي لا أرى الهدهد ، على تقدير أنه مع جنوده وهو لا يراه ، ثم أدركه الشك في غيبته فقال : أم كان من الغائبين ، يعني أكان من الغائبين؟ والميم صلة (١٠) ، وقيل : أم
__________________
(١) انظر اللسان (هدل).
(٢) في ب : الوقف.
(٣) تفسير ابن عطية ١١ / ١٨٩.
(٤) البحر المحيط ٧ / ٦٤.
(٥) تفسير ابن عطية ١١ / ١٨٩.
(٦) الدر المصون ٥ / ١٨٥.
(٧) انظر تأويل مشكل القرآن (٥٨).
(٨) السبعة (٤٧٩) ، الكشف ٢ / ١٥٤ ـ ١٥٥ ، النشر (٣٣٧) ، الإتحاف (٣٣٥).
(٩) قال ابن خالويه : (أو ليأتينّن بسلطان عيسى بن عمر) المختصر (١٠٨ ـ ١٠٩) وما ذكره المؤلف في البحر المحيط ٧ / ٦٥.
(١٠) انظر البغوي ٦ / ٢٦٩.